آخر تحديث: الاثنين 9 تشرين الثاني 2020 - 02:16 PM إتصل بنا . خريطة الموقع . ابحث:




أرشيف

أخبار التجدد حوار مختارات أخبار يومية

الوزير السابق الدكتور طارق متري لجريدة "المستقبل": الاعتدال صار النظام المرتجى بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.

الأربعاء 5 شباط 2014

يجري الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا الوزير السابق طارق متري، قراءة في مفهوم الاعتدال وتعريفه منذ الفلسفة اليونانية والتراث الاغريقي وصولاً الى الحضارة الإسلامية، ليصل الى استنتاجات أولها أن الاعتدال هو المنتصر في نهاية المطاف "لأن العقائد سقطت والتطرف مرتبط بالعقائد بوصفها غير قابلة للنقاش وتستحق الاستماتة من أجلها". ولذلك صار الاعتدال برأيه هو "النظام المرتجى في دول العالم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، بمعنى أنه يحل مكان النزاع تحت عنوان المنافسة، حيث يتحول الصراع الأيديولوجي في الدول الى منافسة تنزع المطلقات من السياسة".
ويرى متري في هذه الحلقة أن المتطرفين اليوم فئتان: "اليمين الأقصى في الغرب والتطرف الإسلامي، إضافة الى جماعات متطرفة أخرى في أفريقيا وغيرها". أما في ما يخص الحركات الإسلامية، فيتحدث عن الفارق بين المعتدلة منها والمتطرفة، ليبدي خشيته من تكرار تجربة المواجهة التي وقعت بين الجيش والإسلاميين في الجزائر، في مصر، نتيجة فشل الاخوان المسلمين "عندما احتلوا مواقع السلطة واتهموا بالاستحواذ عليها.. مع العلم أن الديموقراطية هي تسليم السلطة للأغلبية وليس السيطرة عليها دائماً وأبداً، وأن الكل يتناوب مع الكل لا بل البعض يُشرك الأقليات معه".
ويتوقف متري عند "تعثر" الثورة السورية و"تعسكرها" وصعود الحركات الراديكالية وأدوارها العسكرية ليؤكد براءة المجتمع السوري من أفكار "داعش" و"النصرة" اللتين "تملكان قوة عسكرية لا تعكس قوة سياسية أو اجتماعية، لأن الاعتدال والحداثة يغلبان على مسلمي المجتمع السوري". لكنه يسأل "هل يمتلك الإسلام الوسطي الأدوات السياسية التي تسمح له بأخذ الثورات العربية الى مآلها الحقيقي الذي قامت من أجله، أي الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؟".
ويتطرق متري الى تجربة الاعتدال في لبنان وتعدديته التي "اضطرت أشد الناس تطرفاً أن يضعوا بعض الماء في زيتهم"، معتبراً أن تجربة العيش المشترك بين اللبنانيين "فرضت عليهم قدراً من الاعتدال، سيما وأن النظام السياسي قائم على التسوية..". من دون أن يخفي وجود شريحة من المتطرفين "على هوامش كل الجماعات اللبنانية بما في ذلك المسيحيين الذين يطلق بعضهم كلاماً عنصرياً عن النازحين السوريين".
لذلك يعتبر متري أن ثمة "حدوداً لنمو التطرف في لبنان وإن كانت قدرته على الإيذاء كبيرة". لا بل يؤكد أن هذا التطرف "لا يمكنه أن يعيش طويلاً لأنه لا يقيم أنظمة ولا يفتح مدارس ولا مستشفيات ولا يُطعم الناس، فالناس لا يأكلون رشاشات وإعدامات وشعارات".

المتطرفون فئتان: اليمين الأقصى في الغرب والتطرف الإسلامي في العالمين العربي والإسلامي

بداية يقدم متري تعريفاً للاعتدال: "مفهوم الاعتدال متعدد المعاني والايحاءات. في الاستخدام الشائع، المعتدل هو الشخص المسالم الذي يحاور ويتحاشى الحدة ويبحث عن تسويات. المصطلح يردّنا بين المسلمين الى فكرة الوسطية في الإسلام، أي الإسلام الذي لا يجنح في اتجاه الروحانيات على حساب الماديات، أو الانغماس في الماديات على حساب الروحانيات، أي يحافظ على التوازن. هذه الوسطية في الإسلام ترتبط بفكرة العدل. في الفلسفة اليونانية وفي التراث الاغريقي الاعتدال فضيلة مجالها ضيق، اي كيف لا تجنح في طريق ضيق في اتجاه موقف غير أخلاقي يمنة أو يسرة. أعتقد أن هذه الكلمة في الأدب السياسي وعندما تستخدم في اطار الحديث عن العالم العربي والإسلامي، تعني ان الاعتدال هو نقيض التطرف، والتطرف مرتبط في أذهان الكثيرين بالعنف، أي محاولة التغيير السياسي بواسطة العنف، لكن يعني أيضاً في الوقت نفسه، أن الاعتدال هو المنتصر باعتبار ان العقائد سقطت والتطرف مرتبط بالعقائد باعتبارها غير قابلة للنقاش وتستحق الاستماتة من أجلها. ثمة علاقة بين التطرف ومنظومة العقائد المتماسكة، بينما الديموقراطية تجعل من السياسة امراً نسبياً لا حقائق مطلقة فيها، ولا حق وباطل".
المنافسة وفكرة الديموقراطية
يضيف متري: "صار الاعتدال هو النظام المرتجى في دول العالم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي بحيث يسود في العلاقات بين الناس، بمعنى انه يحل مكان النزاع تحت عنوان المنافسة، وهذه هي فكرة الديموقراطية، حيث يتحول الصراع الأيديولوجي في الدول الى منافسة تنزع المطلقات من السياسة. هذا لا يعني طبعاً أن لا أخلاق في السياسة. هناك بعد أخلاقي في السياسة وأهم ما فيها أن ثمة نسبية، فإذا كنت خصمي في السياسة فهذا لا يعني أنك خصمي في كل شيء. اليوم نختلف وربما غداً نتفق. هذا مسوغ أخلاقياً وليس معيباً على الإطلاق، احترام الرأي الآخر والبحث عن مشتركات معه وعن تسويات. البحث عن تسويات ليس أمراً لا أخلاقياً بل بالعكس هو يحصن السلم الاجتماعي ويشرك الجميع في القضايا المشتركة. إذاً مع انحسار الأيديولوجيات وبما ان العقائد لم تعد تتحكم بالدول، مال الناس أكثر نحو الاعتدال، لكن بقي هناك استثناءات هم المتطرفون الموجودون في كل العالم. المتطرفّون اليوم فئتان: اليمين الأقصى في الغرب، أي اليمين العنصري الذي يخوف المجتمعات من الوافدين إليها ولديه حنين إلى الفترات التي كان للدول فيها أمجاد قومية، والتطرف الإسلامي هاتان الفئتان هما اللتان تخرجان عن الميل العام للاعتدال. العنصريون في الغرب والحركات الراديكالية الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي. هناك جماعات متطرفة أخرى في افريقيا وغيرها، لكن هاتين الكتلتين هما الأبرز في العالم، في ما يخصّ منطقتنا، في السنوات الثلاثين الماضية صار هناك ميل متنام وتولدت فكرة نتيجة خبرة متراكمة أن الحركة الإسلامية هي في الحقيقة حركتان، حركة إسلامية معتدلة وأخرى متطرفة. حركة ترفض التغيير بالعنف، وتريده بالوسائل السياسية لتحقيق أهدافها، وتقبل بتداول السلطة وببعض الديموقراطية وليس كلها وتعترف ان السياسة وشؤون الحكم امر نسبي ولا يمكن اقحام المطلقات الدينية في كل موقف سياسي، وهذا يسمى الاعتدال. وقد ذهب الاخوان المسلمون في هذا الاتجاه وأطلق عليهم في الكتابات السياسية اسم "المسلمون المعتدلون"، مقابل فئة خرجت من رحم الحركات الإسلامية المعتدلة لكنها كفّرت المسلمين المعتدلين ودعت للعنف من اجل التغيير ودعت لحاكمية الله واعتبرت المجتمعات الإسلامية جاهلية واعتبرت الحكام كافرين ودعت للجهاد ضد هؤلاء الحكام وصارت فريضة على المسلم ان يجاهد ضد هؤلاء الحكام. من هؤلاء تنظيم "القاعدة" وتنظيمات اخرى نشأت في مصر مثل جماعة "الجهاد" و"التكفير والهجرة" ومجموعات اخرى كثيرة، اي "القاعدة" واخواتها. هناك منظمات مماثلة في المغرب الإسلامي مثل بوكو حرام في نيجيريا ودول اخرى، خرجت من عباءة الجماعات الإسلامية التي صارت تسمى معتدلة وكانت ثمة قناعة عند البعض وظن عند البعض الآخر ان ثمة قطيعة بين الحركاعت الإسلامية المعتدلة مثل "الاخوان المسلمين" وهذه الحركات الراديكالية، وان الباب الذي خرجوا منه اغلق وراءهم. الآن وخصوصا بعد الذي حصل في مصر، هناك انطباع أن هذا الباب لم يغلق وأعيد فتحه، وانما ربما اصبح باباً دواراً يمكن للإسلاميين الراديكاليين والإسلاميين المعتدلين ان يخرجوا منه ويدخلوا عند بعضهم البعض ويتعاونوا. هناك تفسيران: الاول يقول ان الإسلامي السياسي بأفكاره الرئيسية التي حركته منذ البداية تحت عنوان ان العالم الإسلامي مهدد وأن الهوية الإسلامية محاصرة، هذه مشتركة بين كل الحركات الإسلامية لكن ثمة حركات اكثر اعتدالاً من غيرها او توزيع ادوار فيما بينها تعود بعدها للالتقاء في ظروف معينة ولا يعود هناك تباين فيما بينها. ثمة تفسير ثان انا اميل له يقول ان هناك فرقاً كبيراً بين هذا النوع من الإسلاميين واولئك وان ثمة إسلاميين معتدلين نبذوا العنف فعلاً وحاولوا ان يتواءموا مع الديموقراطية وان يصبحوا ديموقراطيين اكثر وحاولوا التوفيق بين الديموقراطية والإسلام واجتهدوا قليلاً في هذا التوفيق من اجل انجاحه.
الإسلاميون والسلطة
بعض هؤلاء كان صادقاً لكن البعض الآخر ذهب في اتجاه العنف ولم يكن صبوراً. إذاً، كان هناك فارق بين الاثنين لكن فشل تجربة مصر وقبلها ما جرى في الجزائر رغم محدودية المقارنة تشي بأمر ما، فما حصل في الجزائر أن "جبهة الإنقاذ" الإسلامية دخلت في العملية السياسية وشاركت في الانتخابات البلدية، لكن عندما حرمت من حقها في الوصول الى السلطة بحجة أنها ليست ديموقراطية، وأنها عندما تستحوذ على السلطة لا تتخلى عنها، فهذا أدى الى المواجهة بين الجيش والإسلاميين، فصار الإسلاميون المعتدلون راديكاليين. ويخشى أن يصبح في مصر أمر مشابه نتيجة فشل "الاخوان المسلمين" خلال الفترة الوجيزة التي احتلوا فيها مواقع السلطة حيث اتهموا بالاستحواذ عليه وأنهم غير ديموقراطيين وإنما أتوا الى السلطة للسيطرة عليها وللإمساك بمقاليد الدولة ومؤسساتها كافة ويكرسوا حكم الاغلبية الديموقراطية. الديموقراطية هي تسليم السلطة للأغلبية وليس السيطرة على السلطة دائماً وابداً وإن الكل يتناوب مع الكل لا بل البعض يشرك الأقليات معه. عملية بناء الدولة هي نتاج عمل الأغلبية والأقلية معاً وليس طرفاً واحداً. وإن وصل طرف الى السلطة فهذا لا يعني انه يملك الدولة لوحده. فشل هذه التجربة للاخوان لمسلمين في مصر، او إفشالها في مكان ما في الوقت نفسه، دفع بالحكومة المصرية الموقتة الى اتهام "الاخوان المسلمين" بأنهم تنظيم "إرهابي" مما يطرح السؤال الى اين يمكن ان تذهب الأمور؟
ما هي نتائجه وما هي تأثيراته على تصرف "الإخوان" أنفسهم، هل يدفعهم إلى مزيد من الراديكالية؟. هذا سؤال مشروع وأعتقد أن كل الناس يطرحونه. ما من شيء محسوم على ما أعتقد، لا تزال الإحتمالات مفتوحة. ولكن ترى الكثير من الناس، ليس فقط المثقفين والكتاب، بل السياسيين في دول كثيرة لا يستطيعون التعامل مع هذه الظاهرة. هناك فكرة شائعة، أنا أعتقد أنها ليست صحيحة. فكرة شائعة وإن فيها نسبة محدودة من الصحة ليست صحيحة كلها، أن الغرب اجرى تقويماً للثورات العربية، واعتبر أن الإسلاميين قادمون إلى السلطة، فاعترف بهم وربما رحب بوصولهم إلى السلطة حتى. والآن عندما تبين أن وصولهم إلى السلطة في الأماكن التي وصلوا اليها محفوف بمشاكل كثيرة وصار هناك انتكاسات كما في مصر، فحار في أمره ولا يعلم ماذا يفعل. أنظر إلى تخبط السياسة الاميركية في ما يعني مصر. تخبّطوا عندما قامت الثورة ضد حسني مبارك، تخبّطوا عندما استمر العسكر طويلا في السلطة، وعندما انتخب محمد مرسي وتخبّطوا عند اندلاع الثورة والإنقلاب على مرسي. والآن هناك تخبّط".
الراديكالية والليبرالية
[تعرض الربيع العربي، والاعتدال الإسلامي لانتكاسات تفاوتت بين بلد وآخر، حتى الاعتدال في سوريا تعرض لنكسة كبرى مع بروز التطرف على ضفاف المعارضة؟
ـ "لا شك".
[كيف يمكن توصيف هذه الانتكاسات المتتالية في ظل هذا الربيع، وما هو مصيرها برأيك؟
ـ "صعب جداً أن يتكهن المرء برأي للمستقبل القريب على الاقل. هذه الثورات كانت حبلى بالإحتمالات وتسارع فيها الزمن، وفي سنتين وثلاث سنوات شاهدنا إحتمالات كثيرة. في سوريا، في العام الأول، كانت ثورة سلمية مدنية مبدعة. انخرط فيها الشباب والنساء. كان احتمال التغيير على يد هذه الثورة كبيراً. ولاحقاً تعثرت وقمعت، تعثرت، تعسكرت. وبالتزامن مع عسكرتها صار للحركات الراديكالية أدوار عسكرية متزايدة. والآن ميزان القوى العسكري لا يعكس بالضرورة علاقات القوى السياسية وعلاقات القوى السياسية لا تعكس علاقات القوى الإجتماعية. المسلمون السوريون لم يعتنقوا أفكار ""داعش"". قلة قليلة فعلت. "داعش" و"النصرة" تملكان قوة عسكرية مع الفارق بينهما، لكن القوة العسكرية لا تعكس القوة السياسية نفسها، ولا القوة السياسية تعكس قوة في المجتمع السوري. لكن المجتمع السوري يغلب على المسلمين فيه الإعتدال والحداثة. سوريا الأفكار الحديثة، حيث يعتنقون المدنية المنفتحة على العالم مثل مساواة الرجل بالمرأة، مجتمع حديث بنسبة عالية. لكن تحقيق نجاح على الصعيد السياسي قد يتطلب الكثير من الوقت".
ويستطرد متري: "أنا مقيم في ليبيا وأعرف وضعها، الانتخابات ربحها وطنيون ليبيون غير إسلاميين، البعض يسميهم ليبراليين - ليست التسمية الأمر المهم - وربما انتخبوا لا لإعجاب الناس بهم فقط، فالليبيون شعب متدين. المسلم الليبي العادي معتدل لا يرتاح لاعتناق عقيدة سياسية باسم الإسلام، وراضٍ بإقامة مجتمع أو نظام سياسي ديموقراطي تعددي وهو مسلم. لا يرى تناقضاً بين إسلامه وقبوله بدولة حديثة ديموقراطية. ومشيخة الأزهر في مصر أصدرت وثائق مهمة جداً يجب على الناس عدم نسيانها في هذا الجو المضطرب على الصعيد السياسي، والتي تقول بدولة دستورية وطنية حديثة. كما هناك وثيقة للأزهر عن الحرية، حرية الفكر، حرية الضمير، حرية الإبداع وحرية البحث العلمي وعن المرأة أيضاً. هذا كله يظهر أن الإسلام الوسطي الذي ربما يكون أكثري في المجتمع وعلى الأرجح هو أكثري، إسلام منفتح ومتقبل للديموقراطية والحداثة والحريات وحقوق الإنسان رجلاً وامرأة. لكن السؤال هل هذا النوع من الإسلام الوسطي يمتلك الأدوات السياسية التي تسمح له بأخذ الثورات العربية الى مآلها الحقيقي الذي قامت من أجله أي الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؟. لا نعلم. وإن أخذها متى سيفعل بعد 5 سنوات، 10 سنوات، بعد جيل كامل؟ هذا الأمر صعب التنبؤ به".
الاعتدال الإسلامي اللبناني
[خطر عسكرة الثورات العربية أو الاعتدال العربي. أو خطر التطرف هل يمكن أن ينسحب على الاعتدال الإسلامي في لبنان والاعتدال عموماً؟
ـ "للبنان وضع خاص، تعدديته تضطر أشد الناس تطرفاً أن يضعوا بعض الماء في "زيتهم". المتطرف اللبناني بمعنى ما أقل تطرفاً، لكن الكتل الرئيسية في الطوائف اللبنانية تسمي نفسها معتدلة، ولكنها ليست كلها معتدلة بالنسبة نفسها، لكن أعتقد أن عيشها مع بعضها البعض يفرض عليها قدراً من الاعتدال، نظام سياسي قائم على التسوية وقدر من الاختلاط وحريات عامة. هذه كلها ليست بيئة للتطرف، لكن التطرف الطائفي لسوء الحظ يسمى اليوم، مذهبياً. "الطائفية" تطلق على ما يتعلق بالعلاقات الإسلامية - المسيحية، و"المذهبية" بين السنّة والشيعة، لكن الموقف نفسه بأن تتعصب لجماعة ضد جماعة أخرى بقطع النظر عن التنوع الموجود في جماعتك أنت وتلك الجماعة. في لبنان مع ازدياد الحدة في العلاقات ما بين الجماعات لأسباب البعض منها لبناني والبعض الأكثر إقليمي له علاقة بإيران وسوريا. مع ارتفاع الحدة، ظهر على هوامش كل الجماعات عدد أكبر من المتطرفين بما في ذلك عند المسيحيين، حيث كنا نحكي عن التطرف العنصري في الغرب وإذ هناك مسيحيون عنصريون يطلقون كلاماً مخيفاً عن (النازحين) السوريين. وهذا شكل من أشكال التطرف، وإن لم ينشئوا تنظيمات أو يرسلوا سيارات مفخخة، لكن التركيبة العقلية والثقافية تشبه التطرف. طبعاً هناك مجموعات راديكالية إسلامية سنية وشيعية أكيد. لكن رغم حدة الأزمات السياسية التي نشهدها والصعوبات حيث أن أي قضية صغيرة تتحول إلى قضية خلافية، رغم مخاطر الاغتيالات، اغتيال الشخصيات المعتدلة كمحمد شطح، التهديد الدائم بالعنف، رغم أزمة النظام السياسي وصعوبة تشكيل حكومة، والخوف من الوصول إلى الفراغ في ما يخص رئاسة الجمهورية وغير ذلك، رغم ذلك كله يبقى ثمة أمل في أن اللبنانيين قد لا يذهبون في منطق العداء المتبادل بين الجماعات إلى حده الأقصى. في مكان ما يلجمون ويعصمون أنفسهم عن العنف الطائفي الصرف، لأنهم يعلمون أن عليهم في النهاية إيجاد تسوية. وإن كان حتى الطائف لا يعجبهم في النهاية عليهم الاتفاق على نظام آخر. ما من جهة قادرة على فرض نظام سياسي جديد على الجهات الأخرى، لذلك أظن أن التطرف في لبنان، وإن كانت قدرته على الإيذاء كبيرة، هناك حدود لنموه".
[هل برأيك استهداف محمد شطح هو رسالة ضد الاعتدال؟
ـ "كثيرون يفسرونها على هذا النحو، هي شيء مخيف حقيقة. شخص منفتح وعقلاني ولديه فكرة عن السياسة ويعتبرها عملاً حميداً ونسبياً في الوقت عينه. أي ليس لديه عمى إيديولوجي، لا يعتنق ايديولوجيا ويعتبر أن السياسة هي في خدمتها. محمد شطح كانت لديه أفكار جديدة يجربّها ويحاور فيها ومستعد لمناقشة كل الناس. هو ضد العنف مع الآخر، وهو شخص غير طائفي أو مذهبي بالمصطلح الشائع اليوم. هو صديقي وأنا أعرفه جيداً، ولم أشعر في أي يوم أن لديه شعوراً حاداً ضد الآخر الطائفي أو المذهبي. نختلف في السياسة لكن نجرب دائماً أفكاراً جديدة ربما تساعدنا على الخروج من الأزمة التي نحن فيها. كان دائماً عقله منشغلاً بابتكار تسويات، حلول، صيغ، أفكار جديدة، والدفاع عن أفكار جديدة. لذلك عندما يتم اغتيال هكذا شخص، تقول هل يريدون قتل الناس الذين يفكرون بعقولهم لا بغرائزهم، الناس الذين يتحاورون ولا يتقاتلون في الخندق، الناس الذين لا يحبون العنف؟ هل يقولون إن العنف خير من غيابه؟ ربما القاتل المجرم الذي قرر تفجير السيارة بمحمد شطح لم يكن يفكر بكل هذه الأمور، لكن أحدهم ربما قام بكل هذه الحسابات".
[هل تقول إنه لا ينتابك قلق على تجربة الاعتدال في لبنان؟
الراديكالية و "الربيع"
ـ "لا أنا لم أقل ليس لدي قلق. عندي قلق. لكن لا أعتقد أن لبنان بلد يمكن أن يجتاحه التطرف. اليوم يتم الحديث عن خطر التكفيريين، لا أعلم إن كانت التسمية موفقة، لنقل الحركات الراديكالية الإسلامية ومنها تكفيرية وأخرى غير تكفيرية، وهذه كلمات باتت ترمى بوجه خصومهم. حيث إذا كنت اليوم لا توافقه الرأي يقول عنك تكفيرياً. باتت هذه التهمة أقرب إلى شتيمة. لذلك لا تساعدنا هذه العبارة على فهم الواقع، ولنلغها من قاموسنا إذ لا معنى لها. هناك مجموعات راديكالية منها لبناني المنشأ وأخرى سورية المنشأ موجودة في لبنان أو من الممكن ازدياد نفوذها في لبنان. لكن يبقى حجمها محدوداً وقدرتها على تجنيد الناس خلفها محدودة جداً. لا أعتقد أن هناك قابلية عند المسلمين اللبنانيين لاعتناق أفكار هذه المجموعات ولا السوريين، حتى ولو كانت هذه الحركات الراديكالية مسيطرة على قرى. فمعظم الوقت هذه القوى لديها مشاكل مع الناس".
[بهذا المعنى، إن هذه الحركات الراديكالية برأيك لا تشكل خطراً على الربيع العربي أو ما تبقى من هذا الربيع؟
ـ "أنا لم استعمل أبداً ولا أحب استعمال عبارة "الربيع العربي". العالم العربي شهد تحولات كبيرة ومذهلة وغير متوقعة وأسقط أنظمة استبدادية أو يحاول إسقاط أنظمة استبدادية معظمها أنظمة وراثية بمثابة أنظمة سلطانية، وهذا الأمر ليس بالقليل وعلى المرء ألا ينساه. فقد حدث شيء كبير، لكن لم تقم على أنقاض تلك الأنظمة الاستبدادية السلطانية أو شبه السلطانية أنظمة جديدة حققت كل ما وعدت به هذه الثورات. بالتأكيد صحيح، اعطني في العالم كله مثلاً عن ثورة تمكنت من الإيفاء بكل ما وعدت به خلال فترة سنة أو سنتين أو ثلاث. المسألة تتطلب وقتاً. طبعاً ليس هناك أحد منا لديه ضمانة بأن هذه الثورات ستبلغ مآلها في النهاية بخير وسلامة. لا أحد يعلم. الاحتمالات كلها مفتوحة. لكن مثلما لا يمكننا القول إن هذه الثورات في نهاية المطاف ستنتصر وتحقق أهدافها إذ ما من ضمانة لذلك، أيضاً لا يمكن القول إن الربيع انتهى وبدأ الخريف و"يا محلى أيام مبارك والقذافي وزين العابدين". لا غير صحيح، فالناس رفضوا هذه الأنظمة الاستبدادية ولا يزال قدر من مشاكلنا الحالية عبارة عن إرث من هذه الأنظمة. أكثر من نصف المشاكل في ليبيا سببها إرث نظام القذافي الذي ترك البلد بلا مؤسسات وجيش وشرطة وفلتان الأمن لغياب الجيش والشرطة وهذا إرث حكم القذافي. لا تزال معاناة هذه الشعوب في جزء كبير منها متصلة بإرث الأنظمة التي سقطت وليس بما صنعته الثورات. طبعاً هناك مشاكل ناجمة عن الثورات نفسها، لكنها مفتوحة على احتمالات وتحتاج إلى الوقت. هذه طريق فيها دموع ودماء".
[ما رأيك بنظرة الغرب لما يجري في العالم العربي حالياً انطلاقاً من التجربة السورية حيث بدا أن الغرب بات يتعامل مع هذا الحراك العربي الجديد وكأن إرهاب الأنظمة أفضل مما يسمونه الحركات الراديكالية الإرهابية. ما مدى صحة هذه النظرة؟
ـ "ما من غرب واحد. يمكن فصل الولايات المتحدة قليلاً عن أوروبا. الولايات المتحدة بخلاف ما يُقال، لم يكن عندها خطة أو مؤامرة أو سمها ما شئت. الولايات المتحدة تمر بحالة إنكفاء إرادي عن العالم العربي. وهذا ما عاد يختلف عليه إثنان. باراك أوباما يريد أن يكون الرئيس الذي خرج من مشاكل أفغانستان والعراق وإيران والذي بات أقل اعتماداً على النفط العربي، والأهمية الاستراتيجية لدول الخليج بنظره صارت أقل مما كانت في الماضي. وهو يجاهر بهذا الأمر ولا يخجل به، حيث الأولوية عنده للسياسة الداخلية التي طالما كانت في الولايات المتحدة أهم من السياسة الخارجية، لكن على يد أوباما باتت أهم بمرات عديدة. هناك ربما نوع من الانعزالية الجديدة للولايات المتحدة. الكل يعرف هذا الأمر لا أخترع البارود. لذلك نحمل السياسة الأميركية في المنطقة أكثر مما تحتمل. ولدى الولايات المتحدة نوع من البرغماتية حيث تجرب فكرة لا تنجح فتغيرها. تواصل التجريب ولا تستقر على حال. وهذا ما يظهر في موقفها من سوريا، في البداية كانت تقول كلاماً يوحي بأنها على وشك الانخراط بدعم الثورة السورية فعلاً ثم يظهر العكس. يتخذون قراراً بالتسليح ولاحقاً لا يقومون بذلك. هذا قدر من التخبط.
في أوروبا هناك قدر أقل من التخبط، لكن في أوروبا هناك نوع من المعادلة غير المكتوبة في المنطقة العربية حيث كان الدور الأوروبي فيها ضعيفاً قياساً بالدور الأميركي. هذه منطقة كانت تصنف في خانة أميركا، وليعود لأوروبا دور كبير في المنطقة الأمر يحتاج الى وقت ولا يتم بسرعة. إذا افترضنا أن دولة مثل فرنسا تريد التأثير بدعم الثورة السورية ترى حدود ذلك. في ليبيا الدول الأوروبية معنية جداً، لأسباب تتعلق بأمنها ومصالحها الاقتصادية وتدفق المهاجرين غير الشرعيين من أفريقيا إلى أوروبا عن طريق ليبيا، يهمها أن تنجح العملية الديموقراطية في ليبيا ولكنها في الوقت نفسه ترى أن مصر ليست لديها بعد الإمكانات بمفردها، قدرات أوروبا في المنطقة محدودة قياساً بقدرات الولايات المتحدة".
[لكن في الإجمال يبقى الاعتدال في المنطقة أكثر رسوخاً باعتبار أن له جذوراً بخلاف التطرف؟
ـ "يفترض. أصلاً هذا التطرف لا يمكنه أن يعيش طويلاً. لا يقيم أنظمة ولا يفتح مدارس ولا مستشفيات ولا يطعم الناس، فالناس لا يأكلون رشاشات وإعدامات وشعارات. طبيعة عمل المجموعات الراديكالية تحكم عليها بالبقاء مجموعات صغيرة ومن غير الممكن أن تتحول إلى تيارات جماهيرية، لأنها قائمة على العمل السرّي. كل منطقها يحكم عليها بأن تبقى أقليات، لكن أقليات قادرة على التخريب، لا أقليات يمكن تهميشها بالسياسة بسهولة"




إطبع     أرسل إلى صديق


عودة إلى أرشيف حوار       عودة إلى الأعلى


2024 حركة التجدد الديمقراطي. جميع الحقوق محفوظة. Best Viewed in IE7+, FF1+, Opr7 تصميم: