آخر تحديث: الاثنين 9 تشرين الثاني 2020 - 02:16 PM إتصل بنا . خريطة الموقع . ابحث:




أرشيف

أخبار التجدد حوار مختارات أخبار يومية

مهزلة هلسنكي..خارج التاريخ - ساطع نور الدين (المدن)

الأربعاء 18 تموز 2018

عندما تعترف أميركا ، بإجماع نخبها السياسية والاعلامية ، أن رئيسها دونالد ترامب، إرتكب في قمة هلسنكي التي جمعته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين،حماقة كبرى ترقى الى مستوى"الخيانة "الوطنية، وعندما يعبر كبار المشرعين والسياسيين والاعلاميين الاميركيين عن دهشتهم وذهولهم لما شاهدوه في المؤتمر الصحافي المشترك بين الرئيسين، تخرج القمة من سياقها السياسي، وتدخل في مسار جنائي، بوصفها لقاء بين شخصين مشبوهين بارتكاب جرائم وجنح والتورط في فضائح جنس ومال وفساد.
القمة التي كان مكان انعقادها يحيل الذاكرة الى قمم تاريخية بين الزعماء الاميركيين والسوفيات، أرست أسس النظام العالمي وأدارت معارك وهدن وتفاهمات الحرب الباردة، قبل ان يتفكك الاتحاد السوفياتي وينفرط عقد المعسكر الاشتراكي، أعطيت أكثر مما تستحق من تقدير ومن دور ومن أثر..برغم المعرفة المسبقة بتواضع الرجلين وثقافتهما السياسية وبحدود طموحاتهما التي لا تتعدى بالنسبة الى أحدهما سوى البقاء خارج المحكمة ، فيما لا تتخطى بالنسبة الى الاخر ، أكثر من توسيع نطاق السلطة والهيمنة والثروة.
لكنها كانت، في الشكل على الاقل، نزاعاً خرج منه بوتين منتصراً بلا أدنى شك. هو أولا إستطاع ان يجلب الرئيس الاميركي الى منطقة محايدة أقرب الى موسكو منها الى واشنطن، وان يستعيد بذلك صور أسلافه السوفيات الذين كانت هلسنكي بالذات محطة مهمة في سجل زعامتهم الداخلية ومكانتهم الدولية، وأن يخلص من القمة بإقرار صريح من محاوره بحسن السلوك، وبأن "المؤسسة"الاميركية هي وحدها التهديد الاكبر للأمن والسلام العالمي . ولم يكن ينقص سوى بيان مشترك من الزعيمين يدين تلك "المؤسسة"وسياساتها المتهورة.
أصبح ترامب، حسب التعبير الشائع الان في واشنطن، في جيب بوتين، دميته التي يتلاعب بها كما يشاء. القمة أوحت بأن الرئيس الاميركي الحالي لم يكن سوى صنيعة الرئيس الروسي رجل الاستخبارات الماكر والمحنك. العاصفة التي تشهدها العاصمة الاميركية حاليا، أعادت الى الاذهان أقاويل وشائعات، عن أشرطة فيديو وصور فاضحة لترامب سجلت خلال زياراته الخاصة(قبل الرئاسة ) الى موسكو، وعن وثائق ومذكرات تكشف تورطه بشكل مباشر في تبييض أموال للقادة الروس ،وبينهم بوتين نفسه وأفراد من عائلته، من خلال صفقات عقارية مشبوهة وعمليات مضاربة مالية.
في خضم العاصفة، طرحت في واشنطن ولا تزال تطرح أسئلة عن سبب ضعف ترامب أمام بوتين، وصدرت تلميحات الى ملفات تمتلكها الاستخبارات الروسية عن فضائح ذلك المتمول العقاري الذي أصبح فجأة رئيساً لأميركا. لكن أحداً لم يقدم حتى الان دليلاً. الادلة كلها موجودة في موسكو. وهي التي تحدد موعد كشفها وكيفية إستخدامها. وما على واشنطن سوى ان تلزم حدودها، وقواعدها الدستورية، طالما أنها لا تتمتع بالقدرة على نفي الفضيحة.
في هلسنكي، ثبت مرة أخرى، أن فوز ترامب بالرئاسة كان حصيلة عملية إستخباراتية روسية متقنة بدأت قبل أكثر من عشرة أعوام، وتوجت في خريف العام 2016. والغريب ان أميركا التي كانت لديها شبهات، بل إتهامات وجهت عشية القمة الى نحو 12 ضابطاً روسياً يعملون في موسكو ، والى عميلة روسية تعمل في واشنطن بالذات..وافقت على ان يتوجه رئيسها الى العاصمة الفنلندية، لتقديم واجب الشكر الى بوتين على المساهمة في انتخابه، حسب تعبير صحيفة "واشنطن بوست". وهل من إذلال أقوى لأميركا ، ومهانة أكبر للاميركيين؟
المشهد سوريالي، لكن فقط إذا ما قورن بالقمم التي عقدت ابان الحرب الباردة . وهي مقارنة وهمية، لا تمت الى الواقع بصلة: بوتين هو نسخة كاريكاتورية من ستالين. وترامب هو شخصية هزلية من القصص المصورة. والاهم من ذلك ان روسيا لم ولن تكون وريثة الاتحاد السوفياتي، وأميركا لم ولن تكون قائدة "العالم الحر".
لكن التاريخ لن يكون الوحيد الذي سيحكم على الرجلين والبلدين. القضاء يمكن ان يتدخل في مرحلة ما لوقف هذه المهزلة الدولية التي لم يسبق لها مثيل.
 




إطبع     أرسل إلى صديق


عودة إلى أرشيف مختارات       عودة إلى الأعلى


2024 حركة التجدد الديمقراطي. جميع الحقوق محفوظة. Best Viewed in IE7+, FF1+, Opr7 تصميم: