آخر تحديث: الاثنين 9 تشرين الثاني 2020 - 02:16 PM إتصل بنا . خريطة الموقع . ابحث:




أخبار التجدد

لماذا نسيب لحود؟ - سناء الجاك (النهار)

السبت 11 شباط 2012

لا بد من التوقف بحسرة عند رحيل نسيب لحود. ليس انطلاقاً من عادة لبنانية تحتفي بالموت ويسارع المواظبون عليها الى الأخذ بالخاطر وهم بالكاد يخفون اغتباطهم لغياب من يمكن أن يصنَّف غريماً. وليس لأن الأوسمة تعلَّق فقط على النعوش. وليس لأن لا حدث الا رحيل رجل بقامة الغائب.
فالمنطقة تغلي بالاحداث وكلها تثير شهية الافكار والآراء والتحليلات. ولكن اذا لم يستوقف البال والضمير غياب من هو في قامة نسيب لحود، فلا يبقى ما يستحق ان يقال.
لنبدأ مما كان قادراً عليه هذا الراحل عن دنيانا: فهو اختار المعترك السياسي انطلاقاً من رؤيته لماهية الشأن العام، وكان يملك كل المواصفات التي تسمح له بأكثر مما كان يحق له به وفق تفويض ناخبيه. لكنه لم يفعل. كونه القريب بالنسب والعلاقات الجيدة مع العائلة المالكة في المملكة السعودية، لم يدفعه مثلاً الى استغلال الرضا السعودي عن الوجود السوري في لبنان خلال مرحلة سابقة، ليحصل على مكاسب نيابية ووزارية.
ليس صحيحاً انه لم يفعل لأن لا شعبية له ويمكنه ان ينجح في سويسرا وليس في لبنان، على ما قاله لي يوماً احد العونيين، بعدما خجل من فبركة جنرال الرابية بعض الاكاذيب "الانتخابية" للنيل منه، وبعدما شعر نفسه مرغماً على الاقرار بالمستوى الاخلاقي والوعي السياسي لدى الراحل الذي يصنَّف بين سياسيين قلائل يتميزون بطينة خاصة ومكانة لدى اللبنانيين والعرب والأوساط الدولية.
الصحيح ان نسيب لحود سارع، عندما دخل معترك السياسة، الى تصفية اعماله واعمال عائلته في لبنان حتى لا يسمح لمن حوله باستغلال السلطة، وحتى لا يسمح لخصومه السياسيين بالهجوم عليه فقط لأنه رجل اعمال ومال، كما نرى ونسمع من الغارقين في الحسد والفساد، الذين لا يملكون الا وقاحتهم لإقصاء من يقف في درب وصولهم الى السلطة بمعزل عن الخصومة او التحالف.
نسيب لحود كان قادراً على التحالف مع الخصوم للوصول، لكنه لم يفعل. كلنا يذكر انتخابات العام 2009، فالرجل أثار بانسحابه من معركة المتن الانتخابية اسئلة كثيرة وحساسة، ليس حول خصومه فحسب، انما حول حلفائه ايضاً، رافضاً منطق المحاصصة والاقتسام، ليُغَلّب عليه مفهوما راقياً لانتخابات حقيقية قوامها مشروع 14 آذار النقي.
كان يعرف كيف يصوّب البوصلة في اتجاه حلم اللبنانيين بوطن حر وسيد ومستقل. ولأنه يعرف، لم ينحرف.
ايضاً لم يستغل نسيب لحود مسيحيته التي لا غبار عليها ليبتز غيره من المسيحيين، كما نرى اليوم في التكالب على المواقع تمهيداً لشراء الذمم في الانتخابات المقبلة.
لطالما حرص الغائب الكبير في عز حاجة الوطن اليه، على سلوكيات ترسي أسساً أبعد من الكراسي البرلمانية، لرفضه إفراغها من السياسة وغلقها دون المشاركة حيث يجب وكما يجب، وليس على طريقة تقاسم الجبنة والمحاصصة او التنازل في سبيل الربح على حساب "ثورة الأرز".
خلال مسيرته السياسية القصيرة لم يتم تشخيص اي أعراض لديه تدل على ازدواجية تدفع الى الهستيريا السياسية والكذب والانقلابات على المواقف السابقة. فالرجل لم يخن اقتناعاته.
الاهم ان الرجل سجل مواقفه الحادة وبقي زاهداً ومهذباً، كأنه بصمته وتهذيبه يكشف عورات المتكالبين على السلطة والمال والبذيئين الذين يدّعون العفة، او يستغلون أوراق تفاهم لا جدوى منها الا لتحقيق المكاسب للصهر والاتباع، سواء في صفقات إعادة إعمار الضاحية، أو من خلال الهيمنة على "الحصة المسيحية" في التركيبة اللبنانية وإمرار الصفقات تلو الصفقات.
لم ينتظر منبر "ثورة الارز" ليسجل حضوره. المنبر كان ينتظره ليتجدد عبره ويتكرس.
رحل نسيب لحود راضياً مرضياً، فهو حقق امنية بأن تنتهي ايامه من دون احتلال منصب يُشعره بالخجل، في حين أن غيره لا يخجل وهو يدافع عن نظام مجرم يقتل الأطفال بموجب ورقة تفاهم تسدد له فواتيره، فقط ليتمكن من الاستيلاء على حصة الاسد في التعيينات وما اليها في مرافق الادارة.
لذا اذا سأل سائل لماذا نسيب لحود؟ فليجد الجواب في انه لم يحتكم البتة الا الى ضميره، وسواء علم اللبنانيون الغارقون في اصطفافاتهم أم لم يعلموا، فقد كان هو رئيس جمهورية أحلامهم دون غيره.


أرشيف    إطبع     أرسل إلى صديق     تعليق



عودة إلى أخبار التجدد       عودة إلى الأعلى


2024 حركة التجدد الديمقراطي. جميع الحقوق محفوظة. Best Viewed in IE7+, FF1+, Opr7 تصميم: