آخر تحديث: الاثنين 9 تشرين الثاني 2020 - 02:16 PM إتصل بنا . خريطة الموقع . ابحث:




مختارات

الاكراد عندما يساومون - ساطع نور الدين (المدن)

الاثنين 25 أيلول 2017

 هي في جوهرها مشكلة داخلية عراقية، موروثة منذ عقود، قبل ان تكون معضلة عربية حرجة جدا، او قضية تركية وإيرانية بالغة الحساسية، أو مسألة دولية فائقة التعقيد. في بغداد خلل في السلطة المركزية ومؤسساتها، وإضطراب في العلاقة بين الأعراق والطوائف والمذاهب. .يعبر عنه الكرد بطريقة واقعية، جديرة بالملاحظة.
ليس الطلاق الكردي المنشود اليوم، طارئاً على تاريخ العراق أو الاقليم. لكنه هذه المرة الاقل جدية، بخلاف المرات العديدة السابقة التي لامست حد إعلان الاستقلال. الان يبدو الاستفتاء وكأنه مجرد ورقة للتفاوض مع بغداد، ولإستدراج عرض أفضل من الحكام الشيعة. وهو ما يجرد فكرة الانفصال، من مبدئيتها، وتاريخيتها، كما يفرغ الكلام السائد عن تقسيم العراق وعن سايكس بيكو جديد للمشرق العربي من محتواه. ويحيل الجميع الى الاستنتاج الآتي: إذا كانت واحدة من أهم طموحات وتجارب إنفصال الاقليات العربية ، قد بلغت هذا الحد من المساومة-(المشروعة)، مع الحكومة المركزية ، لن يكون مستقبل لأي أقلية أخرى تعيش في العالم العربي ( أو حتى في تركيا وإيران) في طلب الاستقلال.
حماسة الكرد الحالية للاستفتاء في كردستان العراق، هي أشبه ما تكون بتواصل مع التراث والفولكور، يعبر عن الضيق من حكومة بغداد الشيعية، لكنه أيضاً يعبىء الكرد خلف قيادة مسعود البرزاني المتآكلة التي لم يبق لها سوى اللعب على عواطف الجمهور الكردي العراقي وعلى إنتمائه الحقيقي الى ذلك الحلم القديم المبني على ظلم قديم، لحق بالاقلية الكردية، وما زال.
ليس الاستفتاء عملية إنتحارية. هو اقرب ما يكون الى مهرجان سياسي يرتفع فيه الخطاب فوق الواقع، بل وحتى فوق العاطفة، لكنه يترك صدى مباشراً في بغداد. يستفز الحكومة ، يدعوها الى التفاوض، الى التفاهم، من موقع القوة الذي يمثله ذلك الحلم، ومن موقع التضحية التي يمثله التعايش والتفاهم مع سلطة عراقية مركزية، تزداد هشاشة يوما بعد يوم، وتمضي في عصبيتها المذهبية الى حد إعتبار ان النصر الوشيك الذي تحقق بمساعدة أكثر من ثلاثين دولة على داعش، فرصة لنيل المزيد من الامتيازات ولفرض المزيد من التنازلات على الكرد وعلى السنة.
حتى اللحظة، لم يسفر التلويح الاستفتاء ، وفتح صناديق الاقتراع، عن عرض أفضل من بغداد. والاسوأ من ذلك أن الدول المعنية لم تنجح في إقناع حكام العراق بإغواء الكرد وإستعادتهم الى حضن الوطن..مع ان الثمن المطلوب بسيط جداً ، ومنصوص عليه في الدستور العراقي وفي القوانين والمراسيم التي وضعت طوال السنوات ال12 الماضية ولم تطبق حتى الآن.
المشكلة في جوهرها الداخلي قابلة للتسوية بسهولة. والاستعداد للتخلي عن الاستفتاء الكردي كان ولا يزال ممكنا.. كما ان الاستعداد لنسيان مفاعيله ما زال متاحا. الصعوبة تكمن في أن إعلان النوايا الكردي، أساء فهم التوتر الحالي بين الاميركيين وبين كل من بغداد وأنقرة وطهران.. وربما أيضا أساء تقدير التشجيع الإسرائيلي، والتسامح السعودي والاماراتي ، بل وربما العربي عموما، مع تلك المخاطرة بما تبقى من وحدة وطنية عراقية، ليس لها أثر الا في الخرائط القديمة.
وما تضخيم الخطر الراهن من الاستفتاء الكردي، سوى محاولة لتمويه الفراغ الذي تعيشه بغداد، ومعها دمشق طبعا، ولصرف الانظار عن التحدي الذي يواجهه الاتراك والايرانيون في التعامل مع مشكلات العراق وسوريا، وإضطراباتهما المتزايدة.. ولحرف الانتباه عن حقيقة مهمة هي ان أميركا التي تتخبط في المشرق العربي وفي العالم كله، مسؤولة بشكل رئيسي ومنذ بدء حربها الانتقامية على تنظيم القاعدة، وحملتها العسكرية العشوائية على العالمين العربي والاسلامي، عن تلك المعضلة العراقية المتجددة.
ليس التهديد الكردي بالانفصال عن العراق ، والذي جوبه بإجماع دولي قل نظيره، أكبر من التهديد الذي تواجهه الدولة الوطنية العراقية والسورية واللبنانية..والذي تتعرض له الفكرة العربية نتيجة مقاربتها السيئة لكل أقلية ولأي إختلاف أو إجتهاد.


أرشيف    إطبع     أرسل إلى صديق     تعليق



عودة إلى مختارات       عودة إلى الأعلى


2024 حركة التجدد الديمقراطي. جميع الحقوق محفوظة. Best Viewed in IE7+, FF1+, Opr7 تصميم: