آخر تحديث: الاثنين 9 تشرين الثاني 2020 - 02:16 PM إتصل بنا . خريطة الموقع . ابحث:




مختارات

مأساة لبنان: هذا ما يعنيه الانفصال عن نظام المصالح العربي - علي الامين (العرب)

الثلاثاء 15 أيار 2018

 كلما ابتعد لبنان عن محيطه العربي كلما بدا أنه دولة غير قابلة للاستمرار، ففي ظل الانتصارات الإيرانية في لبنان، تراجع لبنان سياسيا واقتصاديا وخسرت الدولة وظائف عربية طالما كانت مصدر قوة ووجود.

معاندة مسار التاريخ لم تقدّم الانتخابات النيابية في لبنان دفعا إيجابيا وطنيا، إذ لم تُظهر النتائج المتوقعة لهذه الانتخابات أفقا لمسار حلول تخرج لبنان من عنق الزجاجة.

الاختناق بمعناه السياسي والاقتصادي لا يزال حاكما على عنق الدولة، ويفاقم من الأزمات التي باتت تشكّل خطرا وجوديّا على لبنان الذي لم يعد بيئة جاذبة لا اقتصاديّا ولا سياسيّا ولا حتى إعلاميّا.

ثمّة تحوّل في الهوية اللبنانية جاءت العملية الانتخابية لترسخه إلى حد بعيد، هذا التحوّل يتركّز في الانتقال من الهوية اللبنانية العربية، التي من سماتها التعدّد والتنوّع السياسي والاجتماعي، إلى هوية منقطعة أو معادية لمحيطها تتسم بنزعة أحادية لاغية لكل تنوّع سياسي وإن أبقت على تنوّع شكلي لا أثر له في الحياة السياسية ولا معنى سياسيا له في علاقات لبنان مع امتداده العربي.

النزعة الأحادية والسلطة الاحتكارية التي تسيطر على الدولة والحياة العامة فيها، هما ما يناقض الهوية اللبنانية وخصوصياتها التي طالما كانت عنصر حيوية سياسية واجتماعية ومنبع الحرية ومنبرا للإعلام المتنوع ومصدرا للحيوية الاقتصادية وجاذبا لاستثمارات في أكثر من اتجاه.

الأزمات التي كشفت عنها الانتخابات النيابية التي جرت منذ عشرة أيام تقريبا، أكدت أن لبنان لم يعد ذلك البلد القادر على مواجهة الحصار الذي يواجهه، بل بات أكثر استسلاما للقبضة التي تمسك بخناق الدولة والوطن، وفيما يواجه اللبنانيون أزمات المؤسسات الوطنية المتراكمة، لا يجدون خيارا للخروج منها إلا بالمزيد من الغرق فيها.

فأمام مأزق غياب الدولة أو ضعفها، تتمدد الدويلة وتترسخ كثابت في الحياة السياسية، وأمام مأزق انحسار الحيوية الاقتصادية والاجتماعية يزداد الخضوع لمنطق الأحادية والوصاية، وتتراجع فرص الخروج من معادلة مصادرة الحيز العام لصالح المزيد من تثبيت السطوة الحزبية والميليشياوية. ويتم ذلك من خلال الاستسلام للوصاية بما هي إلغاء أو قرار إعدام للبنان الذي لا يمكن أن يبقى ويستمر من دون علاقة مميزة مع محيطه العربي، والخليجي على وجه التحديد.

الوظيفة اللبنانية العربية هي عنصر وجودي للدولة والوطن، وليست ترفا ولا هواية لبنانية أو عربية، هي حقيقة سياسية وثقافية واقتصادية، وهي حقيقة قومية لا يمكن تجاوزها أو التنكر لها.

التنكر لهذه العناصر الحيوية لبقاء لبنان ولدوره، هو ما يجري اليوم، أي أن ما يشبه عملية انتحار أو قتل يتعرض لها لبنان، بسبب هذا الاستسلام الذي يعبّر عن نفسه من خلال الانجرار نحو مسار تغيير الهوية اللبنانية، وهو تغيير يحاكي إلى حد بعيد فكرة الانفصال والعزلة أي الفكرة اليهودية بالنسخة الإسرائيلية، فالكيان الإسرائيلي هو النموذج الذي قام ولا يزال على فكرة المحيط العدوّ، هو كيان قام على استراتيجية العداء والقطيعة مع المحيط، وعلى ثقافة الخوف والتخويف من كل ما حوله، وفي نفس الوقت الاستثمار الدائم لهذا العداء والخوف لاستدراج دعم دولي له، والقيام بوظيفة استعمارية طالما كانت متلازمة مع وجود إسرائيل في المنطقة العربية.

النزعة الأحادية والسلطة الاحتكارية التي تسيطر على الدولة والحياة العامة فيها، هما ما يناقض الهوية اللبنانية وخصوصياتها التي طالما كانت عنصر حيوية سياسية واجتماعية ومنبع الحرية ما يجري اليوم في لبنان هو محاولة استنساخ النموذج الإسرائيلي بوعي أو من دون وعي لا فرق، أي النموذج الذي يتميز وتتركز وظيفته على الانقطاع عن محيطه وترسيخ الشروخ معه، ويقوم على تعزيز ثقافة الخوف والكراهية لكل مختلف، ذلك أن الخطاب السياسي السلطوي المتمدد والمهيمن في لبنان اليوم سياسيّا وإعلاميّا يصوّب على هدف أساسي هو أن العدو الفعلي ومصدر الخطر الحقيقي هي الدول العربية، أي تلك الدول التي لا تتآلف أو تعادي السياسة الإيرانية، كما أنّ ثمة عملا دؤوبا لفرض هذه الرؤية وهذا المنطق حتى على من يفترض أنه يخالف هذه الرؤية، من خلال تدجينه وتهذيب حال المعارضة أو الاعتراض لديه تجاه ما يمس جوهر وجود لبنان وفكرته.

إلى هذا الحد يمكن القول إن استنساخ التجربة الإسرائيلية في رسم هوية لبنان الجديدة، هوية معادية لما حولها خائفة منه ومخيفة له، نموذج منقطع عن محيطه ومرتم في نفس الوقت في أحضان دول من خارج المنطقة، يلبي وظيفة إقليمية ودولية، ومتعارض أو معاد لنظام المصالح العربية.

لعل أخطر ما أفرزته الانتخابات النيابية هو هذا النزوع نحو ترسيخ ثقافة العداء والخوف الذي تسلل إلى سلوك الدولة التي باتت متهاونة حيال شروط وجودها القومي، ومعنية في المقابل بمحاكاة المصالح الدولية والإقليمية الإيرانية، ليس هذا حال اللبنانيين جميعا، لكن التسليم أو الاستسلام اللبناني لهذه المعادلة هو ما يجعل من تقدم النموذج الإسرائيلي في جوهر تكوينه النفسي والسياسي والثقافي والاستعلائي حقيقة لا يمكن تمويهها، وربط وجود ما تبقى من لبنان بوظيفة حماية الاستقرار مع إسرائيل من جهة، ووظيفة الاستثمار في بناء الشروخ مع المحيط العربي وترسيخ حال الخوف والعداء معه من جهة ثانية. وفوق كل ذلك توفير أو مراعاة المصالح الدولية الأوروبية والأميركية أو الروسية بشكل يثير الريبة والتساؤل عن معنى ودلالة الخطاب الذي طالما رفعته قوى الممانعة في مواجهة الاستعمار والاحتلال.

الممانعة التي باتت تسيطر على مفاصل الدولة في لبنان، هي بالضرورة عاجزة عن معاندة مسار التاريخ، لكنها ستكون حكما أمام كارثة إخفاقها في تحقيق ما تبتغيه، هذه الكارثة يعيش لبنان مقدماتها فلا الغرب ولا إيران ولا إسرائيل بطبيعة الحال قادرة على جعل لبنان دولة قابلة للاستمرار خارج نظام مصالحها القومي، والوقائع هي أكبر برهان، إذ كلما ابتعد لبنان عن محيطه العربي كلما بدا أنه دولة غير قابلة للاستمرار، ففي ظل الانتصارات الإيرانية في لبنان، تراجع لبنان سياسيا واقتصاديا وخسرت الدولة وظائف عربية طالما كانت مصدر قوة ووجود.

النموذج الذي يراد للبنان أن يكونه، هو نموذج يقوم على نزعة إلغائية وأحادية نابذة للتنوع المعبّر عن حقيقته الفعلية بحرية، نزعة معادية للبنان كمنبر حر للإعلام في محيطه العربي، وهو نموذج غير حاضن أو جاذب لاستثمارات عربية، ونموذج مهادن ومتآلف مع الغرب وإسرائيل بشرط الاصطدام مع العرب.


أرشيف    إطبع     أرسل إلى صديق     تعليق



عودة إلى مختارات       عودة إلى الأعلى


2024 حركة التجدد الديمقراطي. جميع الحقوق محفوظة. Best Viewed in IE7+, FF1+, Opr7 تصميم: