آخر تحديث: الاثنين 9 تشرين الثاني 2020 - 02:16 PM إتصل بنا . خريطة الموقع . ابحث:




مختارات

مجتمع ناقم ... دولة منهوبة - عبد الوهاب بدرخان (النهار)

الأربعاء 22 آذار 2017

 الأكيد أن النقمة الشعبية هي أكبر وأعمق بكثير من الحشد الذي جمعته تظاهرة الحراك المدني ضد الضرائب، ومما جرى التعبير عنه بلهجة واعية وراقية معظم الأحيان، أو بلغة رعاعية في بعض الأحيان. وبدا استهجان الوسط السياسي ردّ الفعل الشعبي مؤشّراً الى اتساع الهوّة بين الحكم والمجتمع، وبالأخص بينه وبين الشارع. ولا شك في أن الكتلة الكبرى من الساخطين لم تشارك في التظاهر، يأساً من السوابق، وحذراً من الغوغائيين والمندسّين. لكن الأكثر فظاعة أن الدولة بقيت هي نفسها، كما في الشغور كذلك بعد ملء الشغور، لا حلول عندها ولا خطط، إفلاس مالي يولّد افلاسات في الادارة والتدبير.
للحراك المدني الفضل في تسليط الضوء على الدور المباشر للفساد في مفاقمة العجز المالي، وأيضاً على الهدر الناتج من خضوع الادارة لمشيئة السياسيين ومنافعهم. ولم يعد سرّاً اليوم أن أشد الناقدين للفساد، الذين جعلوا من مكافحته لازمة ثابتة لخطابهم السياسي، لم يسبق لهم أن قدّموا شيئاً لدعم اقتصاد البلاد، بل انهم يعتبرون هيمنتهم على الدولة وسيلة لسد جوعهم المزمن الى الصفقات. وللحراك المدني فضلٌ آخر في كشف الفساد الممأسس أو المستند الى مخالفات تعود الى أيام الحرب الأهلية، أو الى خريطة النفوذ المحمي سابقاً من "دولة الوصاية" والمحمي لاحقاً بالسلاح غير الشرعي وتحالفاته وتفرّعاته.
أمكن للبنانيين أن يتعرّفوا الى بعض أنماط الفساد الممأسس، الذي مورس بما يشبه البث المباشر، عندما دخلت حكومات سابقة في ماراتونات معالجة مشكلة النفايات أو استيراد بواخر توليد الكهرباء. لم تكن هذه سوى عيّنة مفضوحة، وفي وقت غير بعيد فاحت روائح تحاصص بلوكات النفط والغاز حتى قبل استخراجهما من البحر. ولعل الأهمّ حالياً انكشاف جانب من الفساد الأكبر، ففي سياق تهرّب هذه الجهة وتلك من مسؤولية الضرائب الجديدة وسمعتها، ومن مسؤولية التأخير المتمادي لإقرار سلسلة الرتب والروابت، بات اللبنانيون يعرفون أن كل مرافق الدولة، مرفأ ومطاراً ومعابر بريّة (جمارك) وكهرباء (جباية) وصحة (دواء) وغيرها، تخضع لتواطؤات "بزنسية" تتجاوز أحياناً الخلافات السياسية لتنظيم حركة تمرير المصالح والسهر على التغاضي المتبادل وصولاً الى تسهيل التناوب على الحقائب الوزارية.
لا يكفي القول سنة بعد سنة أن لا موارد لدى الخزينة لتُنصف جيش العاملين في القطاع العام، فالمتضرّرون غالبية في المجتمع وقد يسكتون (أو يتفهّمون) على مضض، لكنهم يقاسون مرارة العيش ولن يواصلوا السكوت. لا شكّ في أن عدم وجود سعي ملموس لإيجاد تلك الموارد دفعهم الى اتهام الدولة نفسها بسلبهم حقوقهم، وهو اتهام يطاول أولاً آكلي موارد الدولة بعلم متنفّذيها المستفيدين. فكيف للبنانيين أن يطمئنوا الى أن عهداً جديداً قد بدأ اذا كان أقطابٌ فيه يتراشقون التهديدات: لا قانون انتخاب لا موازنة، أو العكس. ألا ينبغي تحييد ادارة شؤون البلاد عن الخلافات السياسية؟


أرشيف    إطبع     أرسل إلى صديق     تعليق



عودة إلى مختارات       عودة إلى الأعلى


2024 حركة التجدد الديمقراطي. جميع الحقوق محفوظة. Best Viewed in IE7+, FF1+, Opr7 تصميم: