آخر تحديث: الاثنين 9 تشرين الثاني 2020 - 02:16 PM إتصل بنا . خريطة الموقع . ابحث:




مختارات

المنطقة "محجر صحي" بإجراءات الحظر ورد الفعل المخيب من حكومات الدول المعنية - روزانا بو منصف (النهار)

الخميس 23 آذار 2017

 في البيان الذي أصدرته السفارة البريطانية في بيروت عن قرار المملكة المتحدة اعتماد تدابير جديدة تتعلق بحظر نقل الاجهزة الالكترونية في الحقائب اليدوية للمسافرين، أي في مقصورة الركاب، والتي سيبدأ تطبيقها ابتداء من السبت المقبل، ذكر الناطق باسم السفارة ان بلاده "تتفهم ما قد تتسبب به هذه التدابير من إحباط (في بيان أول) وانزعاج (في بيان آخر) ونحن نعمل مع قطاع الطيران من اجل تخفيف أثرها". والقرار البريطاني جاء بعد قرار أميركي في الاطار نفسه، فيما يتوقع المراقبون التحاق دول أخرى بهذه الإجراءات. القرار محبط انطلاقا من التمييز الذي يحدثه بالنسبة الى مواطني الدول المشمولة به او زوارها، كأن المنطقة بأسرها بمثابة "محجر صحي"، في حين أن المفارقة ان ايا من الدول التي يدرجها القرار لم تعترض باستثناء تركيا، إذ دعا وزير النقل التركي الولايات المتحدة الى العودة عن هذا القرار او تخفيفه، وكذلك اعترض وزير خارجيتها، وقد سلط الضوء على الاعتراض التركي لكون شركات الطيران التركية تساهم بقوة في اقتصاد تركيا.

لا جدال بالنسبة الى حق الدول في حماية نفسها ومجتمعاتها، واتخاذ الإجراءات التي تراها ملائمة، ولو ان في ذلك ظلما لشعوب دول أخرى أحيانا. إلا أن هذا لا ينفي أوجها أخرى لذلك. فما يتوقف عنده المرء أولا هو عدم اعتراض الدول المعنية، وغالبيتها حليفة للولايات المتحدة وتملك إجراءات رقابية مهمة جدا على المطارات، توازي إن لم تكن تتخطى تلك التي تعتمدها الولايات المتحدة في مطاراتها ولا تقل عنها. ويدرك أي مسافر ذلك عبر سفره من الدوحة او الامارات العربية مثلا. فهذه الدول التي طاولتها الإجراءات هي جزء من التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي عقد مؤتمره في واشنطن أمس، علما ان المؤتمر لا يبحث في الطلعات الجوية ضد تنظيم "الدولة الاسلامية"، بل في كل إمكانات التعاون الوثيق. فكيف تكون هذه الدول جزءا من التحالف، وتعاقب أو يعاقب زوارها أو مواطنوها من دون تمييز؟ وكيف تقبل هذه الدول تمييز مواطنيها وعدم الحفاظ على حقوقهم، وهي المسؤولة عن ذلك؟ واللافت أن الاعتراض لم يسجل، أقله علنا، لجهة زيادة فاعلية هذه الإجراءات عبر رقابة أكثر تشددا في المطارات مثلا. ولا يعود ذلك الى أنه من المهم أن يحمل المسافر معه في مقصورة الطائرة جهاز كومبيوتر يعمل عليه خلال فترة السفر التي تستغرق ساعات طويلة، او جهازا لوحيا يلهي الاولاد به، بل لان هذا حق من حقوقه شأن المسافر او المتنقل بين انحاء اخرى من العالم. فحين اتخذ الرئيس الاميركي دونالد ترامب قراره الاول بفرض حظر السفر على مواطني سبع دول في المنطقة تتصف بالارهاب، علا صوت الاعلام والقضاء الاميركي ضد التمييز على اساس انه يتعارض والقيم الاميركية والدستور الاميركي. ولم يلبث الاعتراض ان لحق بقراره الثاني في الاطار نفسه، ولو انه صاغه بأسلوب تخفيفي متجنبا النقاط التي تعدّ خرقا للدستور. ولذلك ليس المحبط فحسب شمول القرار مسافرين من دول وإليها، أو حتى منطقة بأسرها، بل إقرار دول هذه المنطقة بأن الإرهاب أدخلها في واقع تمييزي على مستوى العالم من جهة، وإقرارها أيضا بأحقية القرارين الاميركي والبريطاني، وربما سواهما ايضا تحت طائل العجز عن مواجهة الارهاب ومحاربته ومنع انتشاره، على رغم كل الجهود والأموال التي تبذل. وليس واضحا كيف ان ارهاب تنظيم "الدولة الاسلامية" لا ينجح حين سيجلس مسافر من دول الشرق الاوسط عبر اي دولة اوروبية الى جانب مسافرين يمارسون حقهم في استخدام الاجهزة الالكترونية، في حين يتعذر عليه ذلك، وكأنه معروف بأنه من المنطقة التي يسودها او يسيطر عليها الارهاب، او كما حصل بالنسبة الى اميركيين مسلمين في تنقلهم بين الولايات، إذ أثاروا المخاوف فقط عبر تحدثهم اللغة العربية في الطائرة او عبر ارتداء نسائهم الحجاب. وهناك تساؤلات اولا عما يمنع دول المنطقة من التصدي لكل انواع المخاطر المحتملة التي يشكلها الارهاب في أي من مطاراتها حفاظا على حقوق زوارها او مواطنيها بكل الوسائل، سواء عبر زيادة التنسيق الامني القائم أصلا بين عدد كبير من هذه الدول والولايات المتحدة خصوصا، أو عبر اعتماد إجراءات لا تمس حقوق الناس وتخضعهم لتمييز مجحف وغير عادل يطاول ملايين الاشخاص، في مقابل مسؤولية ارهابيين قد يكون عددهم كبيرا لكن ليس بالملايين حتما.
والامر لا يقتصر على ذلك. فقد لا يكون كارثيا قياسا بقرار منع مواطني دول معينة، لكنه قد يغدو كذلك بمقدار الاذى الذي يلحق بالاجهزة الالكترونية متى وضعت في الحقائب بما قد يعرضها للتلف أو ربما للقرصنة، وهذا ممكن بسهولة، او ربما ايضا للتأخير المتزايد متى كانت الحقائب كلها سيتم تفتيشها على قاعدة انها تحتوي على أجهزة الكترونية ينبغي الكشف عليها. فكيف سيتم تعويض المسافرين؟ وهل سيتم تعويضهم ام لا؟ ومن سيتحمل ذلك، شركات الطيران؟
ليس واضحا كيف يمكن عدم تعزيز شعور التمييز بين مواطني مناطق درجة أولى ومواطنين من دول تعد بمثابة محجر صحي لمنطقة موبوءة بالارهاب، مما ينذر بتصاعد النقمة والغضب ضد بعض الدول الغربية وزيادة الإحباط، كما حصل في موجة الرقابة المشددة التي فرضتها الولايات المتحدة على المسافرين من دول المنطقة اليها بعد كارثة 11 أيلول. وفي ظل العجز لدى دول المنطقة يبقى الامل بالنسبة الى شعوبها ألا يطول أمد العقاب الغربي، ويتم التعجيل في اجتثاث الإرهاب وتجفيف منابعه.


أرشيف    إطبع     أرسل إلى صديق     تعليق



عودة إلى مختارات       عودة إلى الأعلى


2024 حركة التجدد الديمقراطي. جميع الحقوق محفوظة. Best Viewed in IE7+, FF1+, Opr7 تصميم: