آخر تحديث: الاثنين 9 تشرين الثاني 2020 - 02:16 PM إتصل بنا . خريطة الموقع . ابحث:




مختارات

ماذا لو فازت مارين لوبن؟ - اسعد حيدر (المستقبل)

الجمعة 24 آذار 2017

 من باريس المركز، تبدو الصورة مختلفة جداً. الانتخابات الرئاسية، الديموقراطية جداً، ليست مباراة ولا لعبة سهلة. إنها أكثر تعقيداً مما تبدو من بعيد. بالمبدأ أي فرنسي، له الحق بالترشح. لكن بالفعل ليس كل من يحلو له الترشح يستطيع أن يصبح مرشحاً، أما أن يخوض الانتخابات ويحوز على حق المنافسة، ومن ثم إمكانية الفوز، فدون ذلك شروط وقواعد متراكمة مثل الحلوى الفرنسية الشهيرة «ألف ورقة»، التي ليس بالضرورة أن يستطيع أحد الفصل بين «أوراقها» حتى يمكن معرفة تفاصيلها..

البديهي أولاً أن يكون المرشح، شخصية عامة صعد سلّم الخدمة العامة، أي تولّى الوزارة (أحصى الإعلام المتعلق بالتفاصيل فترة كل من المرشحين الأحد عشر في منصبه الوزاري والنيابي) ورئاسة البلديات. طبعاً من المهم جداً أن يكون المرشح خريجاً من «المدرسة العليا للإدارة» (E.N.A) أو المحاماة، التي تتطلب علامات عالية جداً

في البكالوريا وجهداً دراسياً متعباً ومتطلباً جداً، وتوصف هذه وشبيهاتها أنها تحكم فرنسا وتديرها. ويُلاحظ هنا أنه من الرئيس الى الوزير الى رئيس مصرف أو رئيس مجلس إدارة يختار مساعديه أو وزراءه من الدورة التي تخرّج منها والمعروفة بالاسم الذي يطلق عليها، وذلك لأن بداية المسيرة نحو الموقع الذي يطمح اليه تبدأ على مقاعد الدراسة في «المدرسة العليا للإدارة». طبعاً يكون الانتماء السياسي القاعدة الأولى، والتيار الذي ينشط فيه داخل الحزب مهم جداً. أيضاً، وهي ممارسة جديدة أن يكون قد فاز في الانتخابات التمهيدية، وهو تقليد جديد ما زال قيد الممارسة.

توجد «مصفاة» للمرشحين، إذ لا يكفي ترشيح الحزب للمرشح. هذه «المصفاة» هي اشتراط حصول المرشح على خمسمائة توقيع من المنتخبين أي النواب والشيوخ ورؤساء البلديات وأعضاء المجالس والمقاطعات. وليست هذه العملية سهلة لأنها الترجمة المباشرة لموافقة الهيئات المنتخبة للمرشح، لذلك يبقى المرشح حتى اللحظة الأخيرة يطرق الأبواب لجمع التواقيع، في حين قد يحصل البعض على أكثر من ألفي توقيع. وهذا العام أجرت هيئة رؤساء البلديات مناظرة للمرشحين، وكانت الأغلبية غير راضية عن المرشح البارز إيمانويل ماكرون.

كل هذا لا يكفي لكي يصبح المرشح حائزاً شروط النجاح أو البروز ليصبح رئيساً للوزراء، أو يتولى أحد المناصب العليا والحساسة مثل «مجلس الهيئة الدستورية». فأمامه مسيرة متكاملة مع مواقع الفصل والقرار المنظورة أو المستورة.. من ذلك ومن دون الدخول في التفاصيل الصغيرة، أن الشخصية السياسية كما ورد سابقاً، تبدأ بتحضير نفسها من مقاعد الدراسة الجامعية مثل E.N.A، بعد الحزبية توجد عضوية أو صداقة «الماسونية» العميقة الجذور (احتفل مطلع العام على مرور ٣٠٠ سنة على تأسيسها باسم «محفل الشرف الكبير في فرنسا» وقد حضر الرئيس فرنسوا هولاند استثناء الاحتفال في المركز الرئيسي الذي يضم ٤٩ ألف عضو. ولمعرفة أهمية المحفل فإنه لا توجد حكومة إلا وتضم أكثر من وزير ماسوني). وبسبب الغموض الذي أحاط بالماسونية وعلمانيتها، فقد تأسست جمعية أطلق عليها L›opus Dei وكان مؤسسها المطران الإسباني جوزيه ماريا أسكيفا الذي طوّب قديساً بعد وفاته وتضم حوالى ٩٠ ألف عضو في العالم، وأسست عام ١٩٤٧ في فرنسا وتضم ألف عضو. وهي مدعومة من ما يطلق عليه في فرنسا «الجيش الأسود» اي الرهبان خصوصاً الجزويتيون منهم. وإضافة الى ذلك يعمل السياسي أو ينضم الى أحد «النوادي» clubs، التي يتعرف فيها على شخصيات مؤثرة وقد يكون اسم النادي «نادي السيارات»، وهو مهم لأن من يدخل هذا النادي أو غيره يخضع لنوع من الاستجواب وحتى الاختبار. أيضاً توجد «الحلقات» التي تناقش القضايا الفكرية والسياسية على مستوى عالٍ في جلسات مقفلة ومحددة تفصيلاً من الشخصيات الى الحضور والمشاركين.

بعد هذه الخريطة التي يمكن التعمق بها، ماذا عن الانتخابات الرئاسية التي ستكون دورتها الأولى بعد شهر؟

ثمة إجماع فرنسي على أن فرنسا لم تعرف أسوأ وأتعس وأفقر من هذه الانتخابات. لا شخصيات لها الوزن المطلوب، ولا برامج حقيقية ومدروسة. إنها انتخابات «السكاكين الطويلة» التي لا تعرف الرحمة بين الأصدقاء، فكيف بين الخصوم؟ حتى الآن فإن ٣٤ بالمئة من الفرنسيين لا يعرفون لمن سيقترعون. حتى الآن لا يعرف المرشح فرنسوا فيون إذا كان سيستطيع دخول الدورة الأولى خصوصاً بعد فضيحته الثانية مع لبناني معروف جداً، إذ تقاضى منه خمسين ألف دولار ليعرّفه ويوصله بالرئيس فلاديمير بوتين. ويبدو أن نيكولا ساركوزي الذي فشل في الحصول على ترشيح حزبه لعب ويلعب دوراً مباشراً في تدمير المرشح فيون بعد أن نجح في إسقاط رجل الدولة آلان جوبيه، يقف خلف الفضائح على قاعدة إذا لم أكن أنا فلتكن مارين لوبن مرشحة اليمين المتطرف، ولأنه يعتقد أن مرشحَي اليسار بنوا هامون ولوك ملانشون سيدمران حظوظهما للدخول الى الدورة الثانية، فإن الباقيين المتنافسين سيكونان مارين لوبن وإيمانويل ماكرون الذي جمع في شخصه والدائرة المحيطة به اليسار واليمين رغم أنه كان مجهولاً قبل عامين. ولذلك فإن من بين الذين انضموا اليه فرنسوا بايرو من اليمين الوسط وبرتراند دولنوي الاشتراكي. وهو سيكون أصغر رئيس جمهورية فرنسي إذا انتُخب. ولذلك لا أحد يمكنه التأكيد، أو التأكد من قدرته على التغيير الذي تحتاجه فرنسا.

أخيراً، لوبن اليمينية المتطرفة التي تتزايد حظوظها بالفوز، وليرتفع بعد ذلك منسوب الخوف والقلق في فرنسا وأوروبا. فوزها يعني إمساك اليمين المتطرف بفرنسا بكل ما يعني ذلك من تعميق الكراهية وبلورتها في قرارات (أين منها مواقف وقرارات الرئيس دونالد ترامب)، علماً أنها ستكون بما تملك من صلاحيات رئاسية قادرة على تنفيذها. نسبة عالية من الفرنسيين تخشى الحرب الأهلية إذا فازت لوبن وتدهورت الأوضاع في أوروبا، خصوصاً أنها ترفض عضوية الاتحاد الأوروبي.

فرنسا تستحق أفضل بكثير من المرشحين المتنافسين على الرئاسة. مشكلة فرنسا نابعة من انهيار الإيديولوجيات والفكر السياسي وشيخوخة «الجمهورية الخامسة» وانكفاء موقعها ودورها في العالم (لم تحُز مناقشة شؤون العالم وشجونه أكثر من دقيقة ونصف من الوقت المخصص لكل مرشح كان له حق الكلام مدة ٣٦ دقيقة في المناظرة التي جرت أخيراً). ولا شك أن غياب الصوت العربي في الانتخابات رغم قدرته على التأثير لو كان منظماً وناشطاً وفعالاً، كما الصوت اليهودي رغم الفارق الكبير بالعدد، يلعب دوراً أساسياً في تغييب المواقف مما يجري في المنطقة.


أرشيف    إطبع     أرسل إلى صديق     تعليق



عودة إلى مختارات       عودة إلى الأعلى


2024 حركة التجدد الديمقراطي. جميع الحقوق محفوظة. Best Viewed in IE7+, FF1+, Opr7 تصميم: