حركة التجدد تحذر: الانتخابات النيابية المقبلة تفقد محتواها الديموقراطي
الخميس 22 آذار 2018
أصدرت اللجنة التنفيذية لحركة التجدد الديموقراطي في 22 آذار 2018 البيان الآتي:
على مسافة أيام من انتهاء مهلة تسجيل لوائح المرشحين، تظهر تباعا ومن خلال التطبيق مخاطر جسيمة على الانتخابات النيابية المقبلة تفقدها من محتواها الديموقراطي على ثلاثة مستويات: قانون الانتخاب، إدارة العملية الانتخابية، والمضمون السياسي للاستحقاق.
أوّلاً- في ما خص قانون الانتخاب، وخلف ستار النظام النسبي، اعتمدت قوى السلطة نظاماً مستوحىً من اقتراح قانون اللقاء الأورثوذكسي، من خلال الفرز الطائفي لأغلبية الدوائر، واعتماد صوت تفضيلي واحد فقط ومن ضمن الدائرة الصغرى أي القضاء. في الممارسة، أدّى هذا القانون إلى إلغاء إحدى أبرز ميزات النظام النسبي حول العالم، وهي السماح للمواطن أن يقارن ويختار بين خيارات سياسية ومشاريع ورؤى متكاملة ومتجانسة على امتداد الوطن. على عكس ذلك، وفي ظل هذا القانون يجتمع الأضداد على لوائح واحدة وتتناقض التحالفات من دائرة إلى أخرى، وأضحى البحث عن حاصل انتخابي بأي ثمن الأولوية الوحيدة للمرشحين، المنهمكين أيضاً بالتنافس الداخلي لجمع أصوات تفضيلية تقطع الطريق على زملائهم في اللائحة.
ثانياً- في إدارة الحملة الانتخابية، يتجلّى يوماً بعد يوم، غياب النية بتأمين منافسة عادلة بين المرشحين، من خلال تشريع أعلى مستويات الإنفاق الانتخابي مقارنة بسائر دول العالم. ففي فرنسا مثلاً يبلغ سقف الإنفاق للمرشح للانتخابات التشريعية نحو 46 ألف دولار بالإضافة إلى 0,18 دولار لكل ناخب مسجّل في الدائرة، مقارنة ب 100 ألف دولار و3,33 دولار في لبنان! أمّا إعلامياً، فعوض الالتزام الفعلي بمبدأ المساواة بين المرشحين وتأمين حق الناخب بالاطلاع الموضوعي على كافة البرامج، استفادت الوسائل الإعلامية من ثغرات عميقة في القانون تسمح لها بفرض بدلات مالية خيالية لتغطية مرشّح ما، جاعلةً الظهور الإعلامي حكراً على المرشحين المقتدرين. يضاف إلى ذلك الضعف البنيوي في تجهيز هيئة الإشراف على الانتخابات بالكادر البشري والتقني المطلوب لاضطلاعها بمهامها فعلاً لا قولاً. والاخطر في هذا المجال هو تسخير المواقع والمنابر الرسمية على أعلى مستويات الدولة وبعض الوزارات والادارات والمقرات في خدمة مرشحين معينين، في مخالفة صريحة للقانون ولأبسط ادبيات ومستلزمات الحياد الرسمي.
ثالثاً- يبدو جلياً فراغ الحملات الانتخابية من أي بعد سياسي يتيح للمواطنين التعبير عن خيارات وطنية وأساسية كبرى. إن الانتخابات أبعد من عملية اقتراع موسمية لتحديد أحجام القوى او لاستطلاع التوازنات الطائفية والمذهبية. هي الآلية التي تسمح بتظهير توجهات الرأي العام وإعطاء شرعية لرؤية سياسية معيّنة من خلال منحها الأكثرية، ولتكوين معارضة قادرة على المحاسبة واقتراح البدائل وفقاً لمشروع سياسي متكامل. فالانتخابات من 1992 إلى 2000 خيضت ضمناً والى حد بعيد على أساس مواجهة الهيمنة السورية، وانتخابات 2005 كانت ترجمة سياسية للتحركات الشعبية التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وانتخابات 2009 بنيت على أساس الانقسام بين مشروعين ونظرتين للبنان. أما انتخابات 2018، فهي فارغة من السياسة. الأحزاب منغمسة في لعبة الحاصل والتفضيلي، تتنوّع تحالفاتها وتتضارب جذريا من دائرة إلى أخرى، ومشاريعها الانتخابية استعادة لوعود سئم اللبنانيون من سماعها من قوى استأثرت بمقاليد الحكم لعقود. أما المجموعات المستقلة والمدنية، مع بعض الاستثناء طبعاً، فقد وقعت في فخ الاستئثار والشخصانية والنزاعات الداخلية والاختراقات السياسية من كل حدبٍ وصوب، بانيةً كل خطابها على اختلافها عن أحزاب السلطة دون تظهير ذلك من خلال برامج مبتكرة ورؤى سياسية بديلة وأطر تنظيمية فاعلة.
الا ان الأخطر هو قبول كافة القوى بأمر واقع مفاده تفادي طرح المسائل البنيوية المرتبطة بسيادة الدولة اللبنانية ومعنى قيام دولة تحتكر السلاح، تبسط سلطتها على كافة أراضيها، وتعامل كل مواطنيها وأحزابهم بتساوٍ تام، وتفادي الأسئلة المصيرية المتعلقة بعلاقات لبنان الإقليمية وموقعه على مسرح الصراعات المتعددة في الشرق الأوسط، وتفادي تقديم أي رؤية لتطوير النظام اللبناني وإنقاذه من الغرق الكامل في وحول المحاصصة المذهبية حيث تفقد المواطنة كل معانيها ويتحوّل اللبنانيون نهائياً إلى رعايا لأحزاب محتكرة للطوائف ومحتقرة للقانون.