في كتاب مفتوح إلى قادة 14 آذار
كارلوس إده: يجب ترتيب الأولويات والولاية تمر
ناخبوكم قد لا يمنحونكم فرصاً ثانية
الثلاثاء 23 حزيران 2009
وجّه عميد حزب الكتلة الوطنية كارلوس إده كتاباً مفتوحاً الى قادة قوى 14 آذار، هنا نصه: "إنّ الناخبين الذين اقترعوا لكم صوتوا ضد سياسة 8 آذار اكثر مما أيدوا أداءكم خلال السنوات الاخيرة. وهم يتوقعون أن تكونوا صارمين حيال المعارضة وأن تفاوضوها من موقع قوة. لقد حصلتم منهم على مبايعة لولاية محددة وليس على شيك على بياض لتتصرفوا به كما تشاؤون.
لقد حان الوقت للتمييز بين الزلم والمواطنين، فاذا كان بعض الناخبين يقبلون قرارات قادتهم مهما تكن فإن عدداً متزايداً منهم، بل غالبيتهم، يفكرون ويحاسبون. إضافة إلى مناصريكم، لقد اقترع عدد كبير من مستقلي المجتمع المدني لكم على أساس خطابكم الانتخابي، أي على قاعدة مواجهة سلاح "حزب الله" وللدفاع عن سيادة لبنان.
تتلخص روحية انتفاضة 14 آذار 2005 بفكرة قيام لبنان متعدّد الطوائف ومتسامح، بلد مستقلّ عن كل تدخّل أو وجود لقوى خارجية على أراضيه، ونظام ديموقراطي حيث إرادة الشعب هي الأعلى وحيث ممثلو الشعب المنتخبون بكلّ حرية يقرّرون الحرب والسلم، وقيام بلد سيد يبسط سلطته الوحيدة على كلّ أراضيه.
إنّ خطاب السيد حسن نصرالله غير مسموح به ونبرته التهديدية غير مقبولة. إنَ سياسة "حزب الله" غير منسجمة مع لبنان الليبرالي الذي تطمح إلى تحقيقه غالبية اللبنانيين. ولا تناقض بين النضال ضدّ اسرائيل والدفاع عن حقوق الفلسطينيين من جهة، وبين تحييد لبنان عن الصراعات الاقليمية من جهة أخرى. ولا مصلحة لدى اللبنانيين، مهما تكن انتماءاتهم الطائفية، في رؤية وطنهم ساحة صراعات دائمة في خدمة ولاية الفقيه، خصوصاً أنّ سلطة هذه الولاية هي في الوقت الراهن موضع منازعة في شوارع طهران نفسها. وفي وقت يواجه الايرانيون نظامهم، على الغالبية في لبنان ألاّ تخضع لتهديد سلاح "حزب الله".
إنّ وجود ميشال عون سياسياً سببه الأساسي أنّ جزءاً من المسيحيّين يعاقب ساسة الغالبية. فهو لم يتمتّع بشعبيته، التي هي في تناقص، بفضل مواقفه السياسية أو نجاح حياته العامّة أو نفاذ ذهنه. فمن أجل وضع حدّ لتأثيره المدمّر، لم يعد يكفي كشف أهدافه الحقيقية، إنّما يجب أيضًا إقناع ناخبيه المسيحيين بسياسة بديلة قابلة للتنفيذ وذات صاقية عالية.
نحن نفهم أن يكون وليد جنبلاط عرضة لتهديدات ثقيلة وأن تكون إعادة النظر السياسية التي يعتمدها نتيجة لتلك الضغوط. ولكن لا بدّ له من أن يعرف أيضاً أنّ سياسة التهدئة في مواجهة القمع والتشدّد لا تحقّق سوى تأجيل إحلالهما. إنّ الأمن الحقيقي يكمن في تلاحم القوى السيادية وفي انتصار سياستها. فالمواقف المتطرّفة والتحوّلات المتكرّرة تُضعف الجميع ولا تصبّ في مصلحة أحد. كما أنّه وعلى رغم انطلاق المحكمة الدولية من دون أيّ إمكان تراجع، على الحكومة المنبثقة من الغالبية التيقّظ دومًا حيال كلّ محاولة قد تطرأ في أي وقت لعرقلة عملها.
ينظر الكثير من اللبنانيين الى قادة 14 آذار على أنّهم مجموعة من السياسيين في شجار دائم في ما بينهم حول الحصص وأنهم غير قادرين على توحيد جهودهم سوى في أوقات الأزمات الكبيرة. ولا يمكن تبديل هذه الفكرة لدى الناس إلاّ من خلال وضع برنامج مشترك للبلاد. فلا يكفي إطلاق الشعارات بل يجب إدارة البلاد وإظهار نتائج إيجابية للشعب من خلال تحقيق مشاريع إصلاحية وتنموية وتأمين الخدمات التي هي حق المواطنين على الدولة. ومن الضروري أيضاً إعطاء الثقة للمستقلين وللمجتمع المدني الذين يشاركون 14 آذار الاهداف نفسها، لكن لديهم ملاحظات حول طريقة ادارة القادة للمعركة. ولن تُكتسب هذه الثقة إلاّ من خلال أعمال منسجمة مع الخطابات، تؤدّي الى نتائج ملموسة. فلا يمكن أي زعيم من الغالبية أن يعمّم أهدافه الخاصّة أو الحزبية على 14 آذار بأكملها.
هناك خشية في الوقت الحاضر لدى الناخبين السياديين أن يكون ثمّة اتّفاق رباعي جديد في طور الإعداد بعد الانتخابات. وإذا كان الحوار ركيزة أساسية في المجتمع الديموقراطي، وأنّ أهداف لبنان السيادي غير قابلة للتفاوض. وها قد جرت الانتخابات بحسب شروط المعارضة وقد أقّرّ "حزب الله" بهزيمتها. هناك اليوم أكثرية، وعليها أن تحكم وفق الوكالة التي منحها إياها الناخبون. يجب ألا يمنعها عن ذلك بعد اليوم أي خوف من سلاح "حزب الله"، والاّ لكان من الأجدى تسليم السلطة مباشرة الى المعارضة. الصرامة لا تتناقض مع روح التهدئة ويجب إعطاء الناس ضمانات بأنّه لن يُعقد اتّفاق رباعي بعد الانتخابات على حساب فريق من الشعب او مبادئ ثورة الأرز.
كيف يمكنكم ألاّ تتعلّموا من الماضي وأن تعيدوا انتخاب نبيه بري، الرجل الذي أقفل أبواب البرلمان وقد انتقدتموه خلال ولايته السابقة؟ تُعطى رئاسة المجلس تلقائيًّا الى من خسروا الانتخابات، في حين أنّ التفاوض مع الأقلية سيكون ضروريّاً من أجل تشكيل حكومة. ألم نتعلّم شيئاً؟ لقد قبلتم بقانون انتخاب يوزّع "الكوتات" في البرلمان وكان أبرز نتائجه منع شيعة أحرار من الاقتراع لمرشحين مستقلين!
يجب أن تشكل وثيقتا "البيال" في 14 آذار 2008 والميثاق الأخير في اجتماع البريستول قبيل الانتخابات، قاعدة مشتركة ينبغي التزامها من جميع الموقعين. ويجب ترتيب الأولويات والتحرك منذ اليوم. أربعة أعوام تمرّ بسرعة، ولن يمنحكم الناخبون فرصًا ثانية إلى الابد".