أرشيف
بوتين وترامب… والإمتحان السوري - خيرالله خيرالله (الراي) الأربعاء 18 تموز 2018 لا يشكّ اثنان في ان روسيا حققت إنجازا كبيرا من خلال تنظيمها لدورة كأس العالم لكرة القدم. كانت دورة كأس العالم مناسبة كي تلمّع روسيا صورتها في العالم وكي يظهر الرئيس فلاديمير بوتين في مظهر رجل الدولة القادر على الاهتمام بأدق التفاصيل الداخلية. كلّ من ذهب الى روسيا في الفترة الممتدة بين منتصف حزيران ومنتصف تموز، يوم جرت المباراة النهائية بين فرنسا وكرواتيا والتي اسفرت عن فوز فرنسا بالكأس، يجمع على ان بوتين استطاع تحقيق انجاز كبير على الصعيد الشخصي. طوال الشهر الذي استغرقته مباريات كأس العالم، التي كان العالم كّله مشدودا الى روسيا. لم يحصل خطأ، لا في المجال التنظيمي ولا في المجال الامني. هناك دولة استطاعت ان تكون في مستوى افضل دول العالم، في مستوى بريطانيا مثلا التي استضافت الدورة الأولمبية صيف العام 2012. بعد حدث دولي مثل كأس العالم لكرة القدم في 2018، تبيّن بكل بساطة ان لا شيء ينقص روسيا كي تكون في مصاف الدول الراقية القادرة على لعب دور إيجابي على الصعيد الدولي في حال تخلصت من عقدة الدولة العظمى. من عقدة العودة الى ايّام الاتحاد السوفياتي تحديدا. في اليوم الذي تلا مباشرة اختتام دورة كأس العالم، توجّه بوتين الى هلسنكي لعقد قمة مع الرئيس دونالد ترامب الذي اثار في جولته الاوروبية سلسلة من العواصف. كشفت الجولة نظرة أميركية جديدة لكيفية التعاطي مع الحلفاء، ان في الاطار الاوروبي او في اطار حلف شمال الأطلسي. هناك تعاط أميركي فوقي مع الاطلسيين الذين يعتبر ترامب انّهم مقصرون في مجال المساهمة في إقامة قوة عسكرية في مستوى التحديات التي تواجه ما كان يشكل في الماضي، ابان الحرب الباردة، العمود الفقري للمعسكر الغربي في مواجهة الاتحاد السوفياتي والمنظومة التابعة له. نجح بوتين في امتحان دورة كأس العالم. فهل ينجح في مناوراته السياسية خارج روسيا؟ ما لا مفرّ من الاعتراف به انّ الرئيس الروسي استطاع في السنوات القليلة الماضية وضع الولايات المتحدة في موقع دفاعي. عرف جيدا كيف التعاطي مع باراك أوباما مستفيدا من نقطة الضعف الأساسية في سياسته الخارجية. كان همّ أوباما محصورا طوال سنوات في كيفية استرضاء إيران . لم يكن يريد ازعاجها بأي شكل وذلك خشية ان تنسحب من المفاوضات في شأن ملفّها النووي. تسلل بوتين من هذه الثغرة كي يجعل من روسيا اللاعب الاوّل في سورية، حقق ما لم يستطع أي زعيم روسي تحقيقه وذلك منذ حلم القياصرة بايجاد موطئ قدم في المياه الدافئة أي في البحر المتوسط. صحيح ان روسيا كانت تمتلك، منذ ايّام الاتحاد السوفياتي، تسهيلات في ميناء طرطوس السوري، لكنّ الصحيح أيضا انّها لم تكن في ايّ يوم اللاعب الأساسي في سوريا. كان حافظ الأسد يعرف في كلّ وقت كيف يوازن بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. دخل جيشه لبنان في العام 1976 بضوء اخضر أميركي واسرائيلي “من اجل وضع اليد على مسلحي منظمة التحرير الفلسطينية”. قبل ذلك، كان اتفاق فك الاشتباك مع إسرائيل في العام 1974 بوساطة هنري كيسنجر ولا احد غيره. امّا وضع لبنان كلّه تحت الوصاية السورية، بما في ذلك قصر بعبدا في خريف العام 1990، فجاء بقرار أميركي مكافأة لحافظ الأسد على مشاركته الى جانب التحالف الدولي، على رأسه الولايات المتحدة، في حرب تحرير الكويت. اتبع بشار الأسد سياسة مختلفة عن سياسة والده. تقوم هذه السياسة على الذهاب بعيدا في التحالف مع ايران والاعجاب الشديد بـ”حزب الله” وما قام به في الداخل اللبناني. استطاعت إيران انقاذ نظامه لدى اندلاع الثورة الشعبية في آذار 2011، لكنّ نقطة التحول الأساسية كانت في أواخر 2015 عندما استنجدت إيران بروسيا كي يبقى بشار الأسد في دمشق.
هل يحقق بوتين اختراقا ذا طابع استراتيجي في قمّة هلسنكي؟ الثابت انّه وضع الأسس لمثل هذا الاختراق المبني على اتفاق يقوم على بقاء بشار الأسد في دمشق في مقابل تأمين الخروج الهادئ للايراني من العاصمة السورية ومحيطها ومن مناطق الجنوب. وضع الرئيس الروسي اسسا لهذا الاتفاق مع بنيامين نتنياهو اوّلا ومع الجانب الأميركي في مرحلة لاحقة. لو لم تكن هناك نقاط اتفاق مع إدارة ترامب ، وان عبر إسرائيل، في شأن سوريا ، لما كانت الولايات المتحدة اتخذت الموقف المطلوب منها عندما تقدّمت قوات تابعة للنظام السوري من درعا ومن الحدود مع الأردن. سيتوقف الكثير على مدى جدّية بوتين في تنفيذ المطلوب منه إسرائيليا واميركيا في سورية، فضلا بالطبع عن قدرته على ذلك. ليس مصير بشّار الأسد امرا مهمّا. المهمّ هل يستطيع الروسي اخراج الايراني من سورية وصولا الى اللحظة التي سيتمكن فيها من القول ان روسيا صارت صاحبة الكلمة الفصل في سورية وان ما حلم به القياصرة في القرنين التاسع عشر و العشرين، ثمّ قادة الاتحاد السوفياتي، تحوّل الى حقيقة؟ في النهاية، سيتبين ان مرحلة ما بعد قمّة هلسنكي امتحان لبوتين وترامب في آن. الامتحان لبوتين في سورية حيث سيكون على الرئيس الروسي لعب دور إيجابي يذكّر بنجاحه الداخلي، خصوصا في الاعداد لدورة كأس العالم. اذا نجح بوتين في سوريا ، أي في اخراج ايران منها، سيكشف انّه رجل قادر على تحمل مسؤولياته وليس مجرد رئيس دولة تمتلك سلاحا جويا قادرا على الحاق تدمير كبير بالمدن والبلدات السورية خدمة لنظام اقلّوي يشنّ حربا على شعبه. امّا بالنسبة الى ترامب، فان سورية ستكشف أيضا هل هو افضل من سلفه باراك أوباما ام انّه سيكون مجرد دمية في يد الرئيس الروسي الذي اقنعه في مثل هذه الايام من العام 2013 بغض النظر عن استخدام بشّار الأسد السلاح الكيميائي في سياق حربه على السوريين. الاهمّ من ذلك كله، ستكشف قمة هلسنكي هل يمتلك ترامب سياسة متكاملة بدأت بالانسحاب من الاتفاق في شأن الملفّ النووي الايراني. كان الانسحاب من هذا الاتفاق ضرورة ولكن ما تتمة ذلك؟ ما هي الخطوة الأخرى التي ستقدم عليها إدارة ترامب لتأكيد انّها إدارة جدّية ولا تتميز عن إدارة أوباما سوى بالكلام الكبير. لا تتمة منطقية للانسحاب من الاتفاق مع ايران خارج الاطار السوري. امّا تنسحب إيران من سوريا وامّا لا تنسحب. كلّ ما تبقى تفاصيل وسقوط في الامتحان لكلّ من بوتين وترامب. اذا كان من رغبة حقيقية في تقطيع أذرع إيران في المنطقة في سياق الحرب على الإرهاب والتطرف بكل اشكالهما، الإرهاب السنّي والإرهاب الشيعي، تبقى سوريا ، ولا ارض أخرى غيرها، نقطة البداية. |
|||||
|