الحكومة اللبنانية ورقة إيرانية في سلة المهملات - علي الامين (العرب)
الثلاثاء 24 تموز 2018
منذ الانتخابات النيابية في 6 مايو هذا العام بدأت الاستعدادات لتشكيل الحكومة اللبنانية، فجرى تكليف الرئيس سعد الحريري برئاسة الحكومة على أن يشكلها بالتشاور مع رئيس الجمهورية كما يقرّ الدستور، لكن الحكومة بعد مرور أقل من 3 أشهر على الانتخابات لم يتم تشكيلها وبقيت معلقة من دون أن تتضح فرص الاتفاق عليها في المدى القريب، لا سيما أن الظاهر من العقدة هو اختلاف القوى السياسية على حصص كل فريق فيها، حيث يجري التداول بثلاث عقد هي محل خلاف، هي ما يسمّى العقدة الدرزية والعقدة المسيحية والعقدة السنية.
المتابعون لمراحل تشكيل الحكومات في لبنان خلال العقد الأخير، أي مع مرحلة تعاظم النفوذ الإيراني في لبنان وسيطرة حزب الله على معظم مفاصل الدولة، أقروا بأن لبنان بات يشهد أزمة مع كل الحكومات التي تشكلت خلال هذه المدة، ولم تكن تُحل هذه العقد إلا بعد تدخلات خارجية كانت نتيجتها تقديم إيران من خلال حزب الله عملية الإفراج عن الحكومة، كورقة ترضية في لعبة المساومات الإقليمية والدولية.
ثمة تشابه بين أزمة تشكيل الحكومة في العراق وأزمتها في لبنان. الجوهر الظاهر للعقد هو الخلاف على الحصص ومشاورات مستمرة لا تصل إلى نتيجة، الانتخابات النيابية جرت في توقيت واحد أي مطلع مايو، ونجح حلفاء إيران أو القريبين منها في تحقيق الفوز وحصد الأكثرية، ولم يخف قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، مشاعر الانتصار عندما أعلن أن حزب الله حقق الفوز في 74 مقعدا من أصل 128 في لبنان، وهو بذلك كان يصرّح بطريقة مباشرة عمّا يعتقده من حلف سياسي يضم حزب رئيس الجمهورية وحزب رئيس البرلمان وغيرهما من النواب هم من المنضوين في الحلف السياسي الذي يقوده حزب الله وبالتالي إيران.
مقتضى الحال، وفي الشكل على الأقل، أن حزب الله في لبنان قادر على فرض تشكيل الحكومة، إذا ما كان تشكيل الحكومة حاجة ملحة في حساباته السياسية، والتي يشكل البعد الإقليمي العنصر الحيوي في حساباته على هذا الصعيد، لكن من الواضح أنه لا يصب جهوده في هذا المنحى، بل يساهم في فتح البازار الحكومي مدركا، كما الآخرين، أنه هو من يملك صفارة إعلان نهاية البازار أو تمديد الوقت إلى ما يشاء، طالما أن لا مادة في الدستور تحدد وقتا لا يجوز تخطيه في تشكيل الحكومات. وكما أظهرت الحكومات السابقة بأن حزب الله هو كذلك، فإن بقاء لبنان بلا رئيس للجمهورية لمدة عامين ونصف أي منذ منتصف العام 2014 حتى نهاية 2016 هو وقائع تثبتُ أن عملية تعطيل الحكم في البلاد والقدرة على إدارتها هما بيد حزب الله. ولكن ماذا تريد إيران من خلال عدم البتّ في تشكيل الحكومة في لبنان وفي العراق كذلك، وما هي الأهداف التي تتوخاها من تأخير إعلانها بعد حلّ العقد؟
إيران أعلنت أنها تسيطر على أربع عواصم عربية في تصريحات معروفة لدى الجميع، لكن هذه السيطرة باتت عرضة لاهتزازات ومخاطر جدية، تبدأ من اليمن ولا تنتهي في دمشق أو بغداد، فتراجع دور الحوثيين في اليمن وتقدم القوى الشرعية بدعم من التحالف العربي، واكبتهما تحولات في سوريا ليست لصالح إيران على الأقل، فالتفاهم الروسي الأميركي بمشاركة إسرائيلية فاعلة جعل إيران في موقع متراجع في المعادلة السورية لم تتضح معالمه المستقبلية بعد، لكن بات معروفا أن الكلمة الأولى والأخيرة في سوريا هي روسية وشرط استمرار ذلك هو تراجع الدور الإيراني.
ليس هذا حال إيران في دمشق وصنعاء، بل يتعداه إلى بغداد وبيروت وإن كان النفوذ الإيراني في العاصمتين الأخيرتين مازال متماسكا، لكنه عرضة لتراجع مستمر، بعدما اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرار المواجهة مع النفوذ الإيراني سعيا إلى تحجيمه، منذ أن أعلن عن إلغاء الاتفاق النووي مع إيران من جانب واشنطن، ونجح إلى حد بعيد في تجويفه دوليا، إثر رفع سيف العقوبات على الشركات التي تقيم أي علاقات تجارية مع طهران. المشهد العراقي والذي نجحت إيران في التحكم بمفاصله المؤثرة، يبقى عرضة لتحولات كبيرة في أي لحظة تبدو فيها إيران أمام انتكاسات استراتيجية في عواصم عربية أخرى، ولبنان ليس أفضل حالا من العراق على هذا الصعيد، وإن كانت طهران تملك من الأوراق ما يتيح لها مقايضة إسرائيل على استمرار نفوذها بمزيد من حفظ الاستقرار على الحدود ومنع حصول أي فوضى على هذه الحدود.
تشكيل الحكومة اللبنانية يندرج في السياقات الإقليمية التي تسعى إيران إلى تعديل مساراتها، لكنها تدرك أن ورقة الإفراج عن الحكومة اللبنانية لم تعد ثمينة، فلا واشنطن راغبة في مكافأة حزب الله على سياسة التعطيل، ولا الدول الأوروبية قادرة على أن تدخل كلاعب بشروط فاعلة بين واشنطن وطهران، ولا الدول العربية في وارد شراء هذه الورقة التي أثبتت سابقا أنها ساهمت في تعزيز النفوذ الإيراني في بيروت.
البحث عن مشتر هو ما يعطّل تشكيل الحكومة اللبنانية، لكن لا يبدو أن ما تعرضه إيران يغري الأطراف الإقليمية أو الدولية في الشراء، فيما اللبنانيون الغارقون في أزمات تلامس وجود للدولة يدركون أنهم في قفص حزب الله، وهذا القفص لم يعد الخروج منه ممكنا لمن هم في داخله، لذا يراقبون كيف تسير أحوال “القفص السوري” إذ لم يعد الخروج من القفص هو المبتغى بل إعادة ترتيب شروط العيش فيه بما يحول دون الاختناق أو الموت السريع.