هزيمة إيران في سورية - رضوان زياده (الحياة)
الخميس 26 تموز 2018
فتح النظام السوري بالتعاون مع حلفائه في روسيا وإيران معركة الجنوب السوري كان مفاجأة للمعارضة السورية وذلك لأسباب عدة:
أولاً: هذه المناطق كلها مشمولة بما يسمى اتفاق خفض التصعيد ضمن الاتفاقيات الموقعة في آستانة، كما أن الأردن بشكل خاص انضم إلى الدول المراقبة في آستانة بهدف حماية هذا الاتفاق وضمان عدم التصعيد في هذه المناطق لمنع وصول أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين إليه من الجنوب السوري. ودخلَ الاتفاق حيِّزَ التَّنفيذ في أيار(مايو) 2017، بمشاركة أردنية على مستوى رفيع في محادثات آستانة في العاصمة الكازاخية.
ثانياً: كان الوصول إلى خفض التصعيد في هذه المناطق ثمرة اتفاق أميركي – روسي تم الإعلان عنه في فيتنام إثر أول لقاء بين الرئيسين ترامب وبوتين. واعتبر الاتفاق حينها تاريخياً وبداية للتعاون بين الرئيسين كما أشار ترامب في حديثه إلى الصحافيين حينها. ودخل الاتفاق حيِّز التَّنفيذ في 9 تموز(يوليو) 2017، بعد ذلك تم توقيع مذكرة تقضي بتـأسيس منطقة خفض التَّصعيد جنوب سورية بين ممثلي الدول الثلاث (روسيا والولايات المتحدة الأميركية، والأردن) السبت 11 تشرين الثاني(نوفمبر) 2017.
جرى النصَّ على وقف شامل للعمليات القتالية بضمانات روسية للنظام السوري وضمانات أميركية للمعارضة السورية، وانخفض مستوى العنف حينها بشكل ملحوظ، ما مكن الكثيرين من الأهالي من العودة إلى مدنهم وقراهم.
ثالثاً: ضمن هذا المناخ كانت التصريحات الأميركية تأتي عبر المتحدثة باسم الخارجية التي حذرت أكثر من مرة قوات النظام السوري من التصعيد في مناطق الجنوب السوري، ومهددة بالعواقب إذا فكر النظام بمهاجمة القوات الحليفة من المعارضة السورية هناك. وفي 25 أيار ثم في 14 حزيران أصدرت الخارجية الأميركية بيانين أشارت فيهما إلى قلقها من تحضير قوات النظام السوري عملية عسكرية ضدَّ المنطقة الجنوبية، وأكَّدت أنَّ ذلك يُشكِّل خرقاً لاتفاق خفض التَّصعيد، والاتفاق الروسي الأميركي، ودعت روسيا إلى ممارسة نفوذها لمنع النظام السوري من خرق الاتفاقات التي تعهَّد الالتزام بها.
وفي 21 حزيران أصدرت الخارجية الأميركية مجدداً بياناً طالبت فيه روسيا بالضغط على النِّظام السوري لإيقاف هجماته.
رابعاً وأخيراً: كانت هناك قناعة عميقة لدى المعارضة السورية أن هناك اتفاقاً روسياً – إسرائيلياً بعدم السماح بالتصعيد هناك وبعدم حضور الميليشيات الطائفية الإيرانية على الحدود السورية – الإسرائيلية، وهو ما دفع بإسرائيل إلى مهاجمة قوات النظام السوري وأماكن وجود الميليشيات الإيرانية عشرات المرات داخل الأراضي السورية، بهدف توجيه رسالة واضحة بعدم تمركز الميليشيات الإيرانية في تلك المناطق.
إذا كان الهدف الأميركي الإستراتيجي الآن في الشرق الأوسط هو محاصرة إيران وهزيمتها، عبر حصارها وخنقها اقتصادياً والقضاء على ذيولها الممتدة في لبنان والعراق وسورية، فإن أضعف ذيولها الآن هو في سورية، وتوجيه هزيمة لها في سورية يحد من نفوذها وطموحها بالتمدد عبر الشرق الأوسط، لذلك لا يمكن فهم التخلي الأميركي عن المعارضة السورية في الجنوب إلا كفشل للإستراتيجية الأميركية في حصار إيران وهزيمتها، أما أن تقنع الولايات المتحدة نفسها بالوعود الروسية بأن الميليشيات الإيرانية ستنسحب من الحدود فهذا أكبر وهم يمكن أن يصدقه أي مراقب، حيث روّجت إيران لذلك من قبل لإقناع روسيا بالتوصل لتفاهم روسي – أميركي على الحدود الشرقية، ولكن ميليشياتها ترتع شرقاً على الحدود السورية العراقية، والأمر سيتكرر الآن على الحدود الجنوبية، بسبب رئيسي هو انهيار جيش النظام في شكل مطلق فيما الوجود الحقيقي هو للميليشيات الإيرانية التي تقود المعارك وتحتل الأراضي، فبعد الانشقاقات المتتالية في الجيش السوري لم يبق سوى ميليشيات طائفية تقاتل نيابة عن إيران وبدعم منها كـ «فاطميون» و«زينبيون» و«حزب الله» والميليشيات العراقية وكلها تحت سيطرة الحرس الثوري الإيراني بقيادة قاسم سليماني، وبالتالي فإن إقناع الولايات المتحدة بأن الميليشيات الإيرانية انسحبت من الحدود وأن من يحارب اليوم هو جيش النظام عبارة عن وهم وضرب من الخيال ربما لتجنب الضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة.
إن سيطرة إيران على الحدود السورية – الأردنية والسورية – الإسرائيلية تعني عملياً سيطرة مطلقة على المعابر الحدودية، بما يعني ذلك تدفقاً كاملاً للسلاح لحزب الله كما في الحدود السورية – اللبنانية وبداية تمدد صيغة حزب الله اللبناني إلى سورية وربما فتح جبهات إقليمية ممتدة.
يمكن القول إن تفاهماً روسياً – إسرائيلياً هو من حسم الأمر وسمح ببداية المعركة، لكن بالمقابل على ماذا حصلت إسرائيل مقابل هذه الصفقة، ربما معلومات استخباراتية كاملة عن وجود حزب الله والوجود الإيراني في سورية بما يعنيه من بداية مرحلة من الاستهداف الإسرائيلي المطلق للوجود الإيراني ولـ «حزب الله» في سورية. وبالتالي علينا أن نتوقع مزيداً من الضربات الإسرائيلية في سورية وصمتاً إيرانياً أو سورياً مطلقاً. مقابل ذلك لن تتوقف الآلة الجهنمية في قتل السوريين في درعا ومحيطها وتشريد أهلها، فالمطلوب روسياً ليس حكم البلد باهلها، وإنما تفريغ أهلها للسيطرة على أرض مقفرة وشعب متهالك ودولة فاشلة ليس لها من مقومات الدولة سوى احتكار ممارسة العنف بحده الأقصى، ولو اضطرها ذلك لاستخدام كل الأسلحة المحرمة دولياً بما فيها السلاح الكيماوي، فمن في هذا العالم اليوم يعبأ بالدم السوري أو يكترث لكل هذه الجثث السورية التي لن تكفيها كل مقابر العالم؟