لبنان تحت الوصاية الإيرانية السورية: حل سياسي دبلوماسي؟ - منير الربيع (المدن)
الثلاثاء 31 تموز 2018
في الزيارة التي أجراها وزير الصناعة حسين الحاج حسن إلى سوريا الأسبوع الماضي، يكون حزب الله قد أوصل الرسالة المتعددة الأوجه، وعنوانها الرئيس هو أن المسار من لبنان إلى سوريا سيتحول من عسكري إلى سياسي. أعطى وزير الحزب صورة بأن المرحلة تطوي حقبة المعارك العسكرية للحزب في سوريا، بمعزل عن بعض الجيوب والنقاط التي قد تحصل فيها اشتباكات أو مناوشات لزوم "التطهير". بالتالي، فإن القوافل العسكرية التي كانت تتنقل بين حدود البلدين، يجب الاستعاضة عنها بقوافل سياسية وحزمة قرارات وإجراءات من الواجب اتخاذها، لتعبيد الطريق إلى إعادة العلاقات السياسية بين البلدين.
الرسالة واضحة، وقد بدأها الحزب عملياً، بينما حلفاؤها بدأوا التمهيد لها، من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي اعتبر أن العلاقات ستعود إلى طبيعتها، وصولاً إلى النائب طلال ارسلان. والأمر نفسه كرره المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي يحسب كلامه أكثر من السياسيين باعتباره رجلاً أمنياً يمثّل الدولة اللبنانية. وأن يعلن أن العلاقات ستعود إلى طبيعتها فهو يمثّل رأي الدولة اللبنانية ككل ولا يمثّل رأياً سياسياً، خصوصاً أن الرجل هو مبعوث رئاسي إلى النظام في دمشق، ويتفاوض باسم رئيس الجمهورية والدولة بكليتها في ملف اللاجئين.
لن ينبت العشب على طريق المصنع، ولن يفلش الزفت في الجرود. الطريق واضحة بالنسبة إلى الحزب، وهو المسار الذي سيسلكه اللبنانيون شاؤوا أم أبوا. التحولات السياسية في المنطقة تحكم ذلك. وهذا ما أكده بيان كتلة الوفاء للمقاومة الأخير. في مقابل موقف الحزب، هناك في لبنان من يراهن على توسع الدور الدولي، والتضارب في المصالح والتفاهمات الروسية الإيرانية، فيتجنّب كأس الهزيمة. لذلك، لا يزال هذا الفريق على موقفه الرافض التنسيق مع النظام، والمتشدد في آلية تشكيل الحكومة.
هنا تنقسم الآراء بين الطرفين، حزب الله يعلن الانتصار، وأن مسار الحل السياسي في سوريا قد بدأ، وهناك معادلات واضحة أصبحت مرسومة على الجميع الاقتناع بها، والسير على أساسها. في المقابل، الطرف الآخر لا يرى انتصاراً إيرانياً، ويعتبر أنه على المدى الطويل لا بد من تجاذب وبوادر خلاف روسي إيراني في سوريا، في ظل الضغط الدولي الكبير الممارس على إيران، وفي ظل رفض الإسرائيليين معادلة ابتعاد الإيرانيين عن جنوب سوريا نحو 100 كلم. ويستند هؤلاء إلى جملة مواقف، آخرها التصعيد الأميركي عبر العقوبات ضد طهران. وهذا يعني عدم الموافقة بأي شكل على بقائها أو بقاء نفوذها في سوريا. ومن ضمن ذلك التوترات في محيط مضيق باب المندب، بعد التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز، ليخرج بعدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب معلناً ثقته بأنه سيصل في النهاية إلى حوار مع الإيرانيين.
وعلى عكس قراءة البعض بأن إصرار حزب الله على الاهتمام بالتفاصيل واليوميات اللبنانية، هو لتوفير البديل من خروجه من سوريا، وتأمين حماية له في لبنان، بالسياسة وبالدستور. إلا أن وجهة نظر الحزب تبدو مختلفة، وهي أن الانتصار في سوريا سينعكس انتصاراً في الداخل اللبناني، على الرغم من أن الحزبيين يؤكدون أن قيادتهم لن تتعاطى بمنطق المنتصر والمهزوم، ولن تستثمر الانتصارات الخارجية في الداخل، لكن المعادلة ستكون وفق هذه الحسبة، والحزب سيبدي اهتماماً استراتيجياً بالمرحلة التي تلي الحلّ السياسي في سوريا. فهو لم يعد خائفاً على وجوده هناك، على الرغم من سحب كثير من قواته العسكرية إلى لبنان، إلا أن وجوده محفوظ سياسياً وشعبياً وحتّى تنظيمياً، من خلال تأسيسه حزب الله السوري المرتبط به ارتباطاً عضوياً.
الأولويات اللبنانية بالنسبة إلى الحزب تبدأ من مكافحة الفساد، إلى الخطّة الأمنية التي تنفّذ في البقاع، وتجلّت مؤخراً بعنف في بلدة الحمودية. وهذا ما يفسّره البعض بأن حزب الله يوصل رسالة إلى الجميع بأنه يريد الدولة، على قاعدة أن الغنم له والغرم عليها، وبما أنه لا يريد أن يتخذ إجراءات في وجه الأهالي، فهو يفضل منح الضوء الأخضر للجيش لتنفيذ عملياته وإرساء الأمن، أو مكافحة عمليات التهريب التي توسعت في السلسلة الشرقية، واستفزت القوات الروسية التي نفّذت انتشاراً وأقفلت المعابر، فيما توصلت بعدها مع حزب الله إلى تفاهم على ضبط الحدود من الجانب اللبناني. ما أعطى دفعاً كبيراً للجيش لتنفيذ عملياته.
ووفق المعلومات فإن الحزب يعد لرزمة مشاريع تعاونية بين لبنان وسوريا، مالية وزراعية وصناعية وتجارية وكهربائية، لتنفذها في المرحلة المقبلة. وستكون عبارة عن تبادل خدماتي في مرحلة إعادة الإعمار وما بعدها. وهذا المسار من المفترض أن يبدأ بعد إنجاز تشكيل الحكومة. وسيتزامن مع جملة إجراءات على صعيد الداخل اللبناني، تتعلقّ بترسيم الحدود وحماية السلاح. أما بالنسبة إلى الموقف الدولي من نفوذ إيران وحزب الله في سوريا، فهناك من يتحدث عن أن الطريق إلى حلّه ستكون سياسية ودبلوماسية. وصحيح أن إسرائيل رفضت الابتعاد الإيراني بمسافة 100 كلم، لكنها أيضاً لن تكون قادرة على فرض إخراج إيران من سوريا، بل الشروط المفروضة حديثاً هي إقفال المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا، وإغلاق كل مصانع الأسلحة والصواريخ المتطورة والبعيدة المدى في سوريا، ووقف نقل الأسلحة من سوريا إلى لبنان. أي توافق من هذا النوع، سيضع لبنان تحت الوصاية الإيرانية السورية، كما وضعت سوريا تحت الوصاية الروسية بعد قمّة هلسنكي.