آخر تحديث: الاثنين 9 تشرين الثاني 2020 - 02:16 PM إتصل بنا . خريطة الموقع . ابحث:




أخبار التجدد

د. أنطوان حداد في مؤتمر
"لبنان والنازحون من سوريا: الحقوق والهواجس وديبلوماسية العودة"

الاثنين 18 آذار 2019

بضعة ملاحظات تمهيدية قبل الدخول في البعد الاقتصادي والاجتماعي:

  • هذه ازمة ذات جذور سياسية وجيوسياسية، ذات تداعيات اقتصادية واجتماعية. بالتالي الحلول (الجذرية لها) يجب ان تكون بالدرجة الاولى ذات طبيعة سياسية، فيما المعالجات (أي ما يتعلق بتخفيف وطأة الازمة) يمكن ان تكون اقتصادية واجتماعية وتقنية.
  • ما حصل في سوريا (ولم ينته بعد!) هو حرب ضروس اتخذت احيانا كثيرة طابعا طائفيا ومذهبيا واسفرت في الكثير من الاوقات عن تنقلات جماعية للسكان (قسرية او شبه قسرية) ذات طابع هوياتي (مذهبي او قومي). البعض من تلك التنقلات حصل داخل سوريا والبعض الآخر الى خارجها. البعض منها كان عفويا او تلقائيا اوعشوائيا (كما يحصل في كل مناطق النزاع في العالم)، والبعض الآخر كان مخططا او مدبرا (كما يحصل في النزاعات ذات الطابع الهوياتي، من تطهير عرقي او ديني).
  • حصيلة الوضع انه بات هناك اليوم خريطة ديموغرافية مذهبية اتنية أخرى لسوريا غير تلك التي عرفناها قبل عام 2011. مقارنة بـ 2010، سوريا فقدت ربع سكانها. نحو 6 ملايين يعيشون خارج سوريا مقابل 18 مليون داخلها منهم نحو 6 ملايين من مهجري الداخل اي من الذين يعيشون في غير اماكن سكنهم الاصلية.
  • من أصل 18 مليون داخل سوريا هناك نحو 5 ملايين يعيشون في مناطق خارج سيطرة النظام (3 ملايين في محافظة ادلب ومحيطها في محافظتي حلب واللاذقية، ومليونان في مناطق اخرى اكبرها منطقة شرق الفرات تحت سيطرة قسد). نحو 13 مليون يعيشون في مناطق النظام، ونحو 11 مليون يعيشون خارج مناطق سيطرة النظام، في الداخل او الخارج وغالبيتهم العظمى من المسلمين السنة. اي ان التركيبة المذهبية في مناطق سيطرة النظام باتت على النحو التالي: 50 الى 55 % سنّة بالمقارنة مع 75% لمجمل سوريا قبل الحرب. هل هذا الامر محض صدفة ديموغرافية؟ ام هو نتيجة هندسة جيوستراتيجية مدبرة؟ او هي نتيجة حتمية لتطييف النزاعات كما حصل سابقا في البوسنة واماكن عدة من افريقيا وآسيا؟ وهل من افتعل هذه الهندسات السكانية (من حمص الى القصير الى القلمون الى الغوطة الى حلب) راغب حقا باعادة عقارب الساعة الى الوراء طوعا لو قدر له الحفاظ على هذه الخريطة؟
  • اذن هناك بعد جيوستراتيجي وجيو-مذهبي (اذا جاز التعبير) وامر واقع ديموغرافي في هذه الازمة يتجاوز خيارات اللبنانيين واصطفافتهم وانقساماتهم ولا يمكن القفز فوقه الا عبر مسارات ومبادرات لقوى دولية تملك مفاتيح الحل والربط في الازمة السورية او تستطيع املاء رأيها على الجانب الحكومي في سوريا. ويتبين مما طرح حتى الآن من مبادرات في هذا المجال، ومنها "المبادرة الروسية"، انها ما زالت تصطدم بهذه العقبة بالذات: أي سوريا ستنشأ بعد الحرب؟ اذن، واقعيا وموضوعيا، وبمعزل عن رغبات اللبنانيين المتنوعة وايا تكن تلك الرغبات، العودة الشاملة والحل الجذري لهذه الازمة الارجح انهما سينتظران الاجابة عن هذا السؤال بالذات.
  • السجال بين "العودة الآمنة" و"العودة الطوعية": هذه اجتهادات لغوية. لا فرق في الواقع بين المفهومين. فالعودة الآمنة لا يمكن الا ان تكون طوعية. بمعزل عن القانون الدولي وما يفرضه في هذا المجال، هل يمكن لما يسمى "العودة الآمنة" ان تكون قسرية، أي ان تتم بالاكراه؟ وكيف يمكن تنفيذ ذلك؟ أبتحميل النازحين وعائلاتهم وامتعتهم في الشاحنات ونقلهم قسرا الى مناطق معينة في سوريا؟ انا اجزم ان العودة الآمنة والكريمة كما يتفنن في تسميتها بعض المسؤولين اللبنانيين لا يمكن الا ان تكون طوعية.

اذن ابعد من تسجيل النقاط في اللعبة الداخلية او في شد العصب الجماهيري او من توظيف هذا الموضوع لاغراض سياسية لا تمت بصلة الى عودة النازحين، ما يفيد لبنان في هذه المرحلة من تطور الازمة السورية، وما هو في نفس الوقت في نطاق قدرة اللبنانيين في هذه المرحلة، هو التفاهم على إطار عام لادارة أزمة اللجوء يتضمن المحاور الثلاثة التالية:

  1. العمل على تنظيم وتسهيل عودة كل من يستطيع ذلك وفي نفس الوقت لا مشكلة في عودته (كما تمّ الى حدٍّ ما حتى الآن مع 100 ألف نازح عادوا بهذه الطريقة خلال السنة المنصرمة ضمن آلية التواصل التي يرعاها الامن العام اللبناني وهي عودة نعرف حتى الآن انها عموما طوعية ومتوافقة مع القانون الدولي والاعراف الدولية)؛
  2. تامين الحماية والاحتضان الموقت للنازحين، وتخفيف الاعباء المترتبة عن هذا النزوح (وسوف اتحدث بشيء من التفصيل لاحقاً عن هذا البند)؛
  3. المشاركة في الأعباء – تقاسم المسؤولية: اولا بين اللبنانيين انفسهم بين المناطق الاكثر استضافة للنازحين وسائر المناطق، وثانيا بين الدول المضيفة ومنها لبنان والمجتمع الدولي؛

الاحتضان الموقت للنازحين والاعباء المترتبة عنه يتضمن عدة مستويات: الايواء، الخدمات الاساسية (الصحة والتعليم)، العلاقة مع سوق العمل.

  • بالنسبة الى الايواء: حسنا فعل لبنان، ولو عن غير قصد، بعدم ايواء اللاجئين السوريين ضمن مخيمات مغلقة (وان كنت شخصياً وعن سوء تقدير أميل الى هذا الاجراء في مطلع الازمة). فالتجربة البائسة للمخيمات سواء في لبنان او في غير لبنان وظروف العيش القاهرة فيها ومخاطر تحولها الى حاضنات للعنف والتطرف يجب ان تثنينا عن هذا الامر. لكن هذا الامر تم بكلفة عالية، للنازحين وللبنان وللمجتمعات المضيفة. وليس اسوأ من المخيمات النظامية الا تجمعات النازحين العشوائية التي لا يتوفر فيها اي خدمات والتي من الاولوية ايجاد بدائل منها لايواء نحو 200 الف نازح ما زالوا يقيمون فيها في ظروف شديدة القساوة.
  • الخدمات الاساسية: ثمة 213 الف تلميذ سوري في المدارس الرسمية. يبقى عشرات الآلاف من السوريين خارج المدارس. رغم الجهود المبذولة، من الضروري الالتفات الى نوعية التعليم في دوام بعد الظهر، والى تضاعف تآكل الابنية والتجهيزات بفعل الاستخدام المزدوج ما يؤثر سلبا على التلاميذ اللبنانيين.
  • القضية الاهم هي سوق العمل، اذ ثمة مزاحمة غير مشروعة تفرض نفسها في مثل هذه الظروف. صحيح ان لبنان كان دائما يعتمد على العمالة السورية وان العديد من القطاعات عرفت ازدهارا بفضل هذه العمالة (الزراعة والبناء تحديدا)، لكن هذا حصل في ظروف كان الاقتصاد فيها في مرحلة نمو وبالتالي كانت سوق العمل يغلب عليها طابع الطلب على حساب العرض. وقد انقلبت الظروف اليوم ولبنان يشهد اسوأ مرحلة كساد وانكماش في تاريخه الحديث والعرض الطبيعي في سوق العمل يفوق الطلب باضعاف. فكيف بوجود فائض من اليد العاملة السورية ومن طيف واسع من الاختصاصات والمستويات؟
  • ان تنظيم سوق العمل في لبنان (ليس فيما يتعلق بالعمالة السورية فحسب) بات من الاولويات القصوى للمرحلة اذا اريد لنا ان يعطي برنامج الاستثمار في البنى التحتية CIP في اطار مؤتمر سيدر ثماراً حقيقية، ولا اعرف ان كانت السلطات اللبنانية مدركة لأولوية هذا الامر. ان تنظيم سوق العمل يجب ان يشمل شقي العرض والطلب بحيث تعود الأفضلية في التوظيف، كما في كل دول العالم، لمواطني الدولة اولا، ثم للموجودين قسرا فوق الاراضي اللبنانية، مثل اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين، ثم لدول الجوار التي تربطنا بها علاقات مميزة كمصر، ثم لسائر الدول.
  • يقدر حجم العمالة الآسيوية والافريقية في لبنان بما يزيد عن 250 ألف عامل، ليسوا جميعا في مجال المساعدة المنزلية بل ان نحو النصف يعملون في قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات. ويقدر حجم تحويلاتهم الى بلدانهم بنصف مليار دولار سنويا، وهو عبء لا يستهان به على ميزان المدفوعات. تخيلوا حجم الوفر لو اعتمدت سياسة تقضي باستبدال نصف عدد هؤلاء بعمال لبنانيين او بعمال فلسطينيين او سوريين مقيمين في لبنان ينفقون اموالهم فيه ولا يحولون اليوم اي ليرة الى الخارج.
  • ان تنظيم سوق العمل او اي اجراء آخر يتعلق بتنظيم اقامة النازحين السوريين الى حين عودتهم يتطلب معرفة أكثر تفصيلا من معرفتنا الحالية لواقع اللجوء السوري، سواء من حيث العدد او من حيث الوضع الاسري والمهني والتعليمي والتوزع العمري والمناطقي في كل من لبنان وسوريا. وهذا لا يتعلق بتنظيم الاقامة الموقتة فحسب بل بالتحضير للعودة. فلكل من تلك الاسر وضعية خاصة من حيث المكان الذي تتحدر منه ومن حيث ديناميات النبذ والجذب التي تتحكم بمسار عودتها الى سوريا. من هنا اولوية اقامة قاعدة بيانات احصائية تفصيلية شاملة ومتحركة (اي انها تأخذ في الاعتبار حركة الدخول والخروج عبر المعابر الحدودية) عن السوريين في لبنان، قاعدة بيانات تتجاوز الاعتبارات الامنية البحتة (كما هي الاولوية اليوم) لتطل على كل المعطيات الاجتماعية والاقتصادية المذكورة اعلاه.

*********

اخيرا لا بد من كلمة تتعلق بالخطاب السياسي. آن الاوان للتخلي عن خطاب التعبئة والتحريض ولسياسة فاعلة تحد من اعباء النزوح السوري وتعدّ فعليا للعودة الآمنة والكريمة التي لا يمكن الا ان تكون طوعية، وتنظيم وجود هؤلاء النازحين وفقا لقواعد القانون الانساني والكف عن تحميلهم مسؤولية وجودهم في لبنان. لا طائل من ذلك. فلندع المفوضية العليا للاجئين UNHCR تقوم بعملها الإنساني المميز في حماية اللاجئين وتخفيف العبء عن لبنان. وللننصرف الى التفاهم على خطة عمل لبنانية لادارة هذه الازمة تكفل مصالح لبنان الاساسية ولا تزيد من مأساة ومعاناة اللاجئين. ولنضافرالجهود كي نُلزم المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته وبتوفير اعلى درجة أعلى مساعدات ودعم ممكنة بما فيها الاستضافة في دول ثالثة. وخصوصا فلنوقف حملات جلد الذات والتشكيك المسيّسة وليتحول الضغط نحو من يعيق فعلاً عودة النازحين لأسباب سياسية وجيواستراتيجية.

التعطية الكاملة للمؤتمر

 


أرشيف    إطبع     أرسل إلى صديق     تعليق



عودة إلى أخبار التجدد       عودة إلى الأعلى


2024 حركة التجدد الديمقراطي. جميع الحقوق محفوظة. Best Viewed in IE7+, FF1+, Opr7 تصميم: