الرئيس ميشال سليمان لـ"النهار": مقاطعة الاستحقاق الرئاسي انقلاب أبيض وعون لم يتنازل لي "لقاء الجمهورية" سيؤسِّس للجمهورية الثالثة حيث الطائف محصّن ومنفّذ
الاثنين 16 آذار 2015
انتهت ولايته الدستورية فغادر القصر الجمهوري بكبر ورأس مرفوع وراحة ضمير، لكنه لم يخرج من الحياة السياسية. يتنقل في الداخل والخارج، يلتقي المسؤولين، يزوره السفراء، ويطلق المواقف متحررا من قيود الصفة الرسمية. وها هو يؤسس لقاء سياسياً جديدا من خارج اصطفافات فريقي 8 و 14 آذار، لتصحيح ثغرات في الدستور والتأكد من تطبيقه. حركته تزعج البعض، خصوصا من اعتادوا التبعية وامتهنوا المقايضات. في دارته المطلة على وزارة الدفاع حيث امضى 41 عاما من عمره، التقينا رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، وكان حوار وضع فيه النقاط على الحروف.
¶ في الجلسة العشرين انتخبتَ رئيسا للجمهورية، هذه المرة تعدينا هذا الرقم. الى متى سيدوم الفراغ الرئاسي؟
- الى متى؟ لا ادري، لكن آمل في ألّا يطول الفراغ لانه يشكل خطورة دائمة. الحمد لله ان الناس في هذا الوطن افضل من ادارته السياسية. الوضع كمن يلحس المبرد، فما دامت حال البلد "ماشية"، نفعل ما نريد: لا ننتخب رئيسا، ونضع شروطا، ونمارس الابتزاز، ونقوم بأفعال غير دستورية وغير ديموقراطية وكأنها امر صحيح وطبيعي. مقاطعة الانتخابات ليست امرا ديموقراطيا، والدستور، صحيح ان رئيس الجمهورية يقسم عليه، لكنه نتاج العقد الاجتماعي بين الناس الذين اتفقوا على العيش معا واقامة المؤسسات الدستورية والقضائية والعسكرية، ونأتي بلحظة ما ونتخلى عن هذه الصيغة والدستور.
¶ هل تعتقد ان الاستحقاق يرتبط بصفقات خارجية ام له ايضا طابع داخلي؟
- اعتقد انه داخلي ويُحل داخليا، على ان يكون المعنيون ديموقراطيين.
¶ هل اصبح أفرقاء الداخل متحررين وفي امكانهم اتخاذ القرار داخليا؟
- لو كانوا متحررين لكانوا اجروا الاستحقاق. لكن ليس الحق على الخارج بعدم اجراء الانتخاب، بل الحق علينا لاننا نسأل الخارج ماذا تريدنا ان نفعل؟ لا تريد انتخابات؟ لا نجريها. في نهاية ولاية الرئيس (اميل) لحود كان هناك اتفاق على شخصي، وتأجل انتخابي اشهرا عبر السعي مع سوريا، هل يكون الحق على سوريا ام علينا لأننا طلبنا منها التأجيل؟
¶ يردد العماد ميشال عون دائما انه تنازل عن الرئاسة لك، هل هذا صحيح؟
- لماذا تنازل؟ مثل قولهم انهم انتخبوني من دون تعديل الدستور، اخطأوا، لماذا خالفوا الدستور؟ كنت اريد ان اسمع منه اكثر من "تنازلنا له وشفنا النتيجة". هذا ليس تنازلا، هذه تحالفات سياسية. العماد عون ادرك في النهاية ان هناك شخصا اسمه ميشال سليمان تريده الغالبية، فشارك في الانتخاب. فكيف يكون تنازل؟ وحتى لو لم يحضر الجلسة، كانوا سينتخبونني.
¶ ماذا يقول السفراء الذين تستقبلهم؟
- يقولون نحن مستعدون للمساعدة، لكن قولوا لنا كيف؟
¶ لماذا هذه المرة ليس باستطاعتهم فعل شيء؟
- لان هناك قرارا بمقاطعة الانتخابات حتى انتخاب العماد عون. وهذا ما يقولونه علنا.
¶ هل تأمل خيرا ونتيجة من الحوار المسيحي - المسيحي؟
- الحوار ليس مقايضة، اذا كان على اساس "اعطيك تعطيني" فهذا ليس حوارا. الحوار يكون على ثوابت وطنية موجودة نعرضها ونصلحها، وليس على امور شخصية، اما نلتقي على حل مشترك او نقرب المواقف لنصل الى حل. الرئيس لا يتم اختياره بحوار مسيحي- مسيحي، ولا بحوار اسلامي – اسلامي. في الحوار يمكنهم التعهد والاتفاق على مبدأ عدم مقاطعة اي استحقاق ديموقراطي او دستوري، لأن المقاطعة تصرف غير ديموقراطي وغير قانوني. الديموقراطية تقوم على الموالاة والمعارضة، ولا تتضمن المقاطعة، والمقاطعة بهذا الشكل انقلاب ابيض.
¶ وهذا الحوار برأيك لتمرير الوقت؟
- آمل في ان تكون له فائدة لتمرير رسالة المحبة بين الناس، خصوصا ان جميع اللبنانيين، ولا سيما منهم المسيحيين، عانوا من الصراع العوني - القواتي فترة طويلة، الأمر الذي ولّد البغض في الشارع المسيحي، وطاول احيانا الاخوة والعائلات، ونشر حدة وحقدا، وخرجوا عن مفهوم السياسة، بحيث يحقدون على كل من يخالفهم الرأي في السياسة ويتهمونه بالشخصي.
¶ هل هذا اوان الحوار ام يجب الاتفاق اولا على رئاسة الجمهورية؟
- الحوار دائما مفيد. ولكن اليوم يجب ان يكون البند الاول النزول في اول جلسة الى المجلس النيابي لاختيار رئيس، ومن دونه لا قيمة للحوار. والبند الثاني عدم اللجوء الى المقاطعة في اي استحقاق لا في المجلس الدستوري ولا في المجلس النيابي ولا في مجلس الوزراء. النصاب ليس حقا ديموقراطيا، النصاب تحوّل قوة قاهرة تحول دون حضور المعنيين الى الاجتماع.
¶ لماذا التلطي وراء انتظار التفاهم المسيحي؟
- لا يوجد تلطٍ. وهناك ايضا حق على الطرف المسلم. ألا يستقوي الاطراف المسيحيون في البرلمان بالطرف المسلم؟ أليس مسيحيو 8 آذار شركاء مع الطرف المسلم؟ أليس بعض مسيحيي 14 آذار شركاء مع الطرف المسلم الآخر؟ المسلمون في الطرفين يجب ان يقولوا لحلفائهم المسيحيين ان هذا التصرف لا يجوز. ولا يجوز ان يقبل اي طرف بعدم الذهاب الى الاستحقاق الرئاسي لأن حليفه يريد ذلك، بينما يذهب ويمدد لنفسه في المجلس النيابي وحليفه لم ينزل.
¶ في حديث لـ"النهار"، اعتبر النائب وليد جنبلاط انه يستحيل تطبيق " اعلان بعبدا" اليوم. ما تعليقك؟
- قال إن تطبيقه مستحيل راهنا. انا سآخذ الناحية الايجابية بأنه يجب تطبيقه لاحقا.
¶ متى؟
- ان شاء الله "نلحّق نجيب الدواء قبل ان يموت المريض". "حزب الله" ايضا، ومن دون ان يقولها ، سيلجأ الى تطبيقه لاحقا، وأصلا هو وافق عليه، وحجته ان الآخرين استعملوا "اعلان بعبدا" لغايات معينة، لذلك حاد عنه. لكن سيأتي وقت يطبق فيه "حزب الله" "اعلان بعبدا".
¶ في ظل ما يجري في المنطقة وانخراط أفرقاء لبنانيين في الصراع الاقليمي، هل لا يزال "اعلان بعبدا" صالحا؟
- الازمة في لبنان لن تنتهي الا بتطبيق "اعلان بعبدا".
¶ اي بانسحاب "حزب الله" من سوريا؟
- هذا جزء من الاعلان، ويجب ان يحصل الانسحاب الآن اصلا، لكن "اعلان بعبدا" يتضمن اكثر: تحييد لبنان عن كل الصراعات، يجب ان ننتهي من التدخل في الصراعات الاقليمية التي لا خبز لنا فيها، ما عدا القضية الفلسطينية طبعا.
¶ الى اين سيصل النظام السوري والحرب في سوريا؟
- آمل في ان يحصل وقف للنار ويتوصلوا الى حل سياسي. في الحرب، بعد أن يخسر الجميع، سيربح احد ما، لكن يكون الجميع خاسرين، ليبقى الخاسر الاقل. سيبقى في نهاية هذا الصراع منتصر، لكنه سيكون خاسرا في كل الاحوال.
¶ الا تعتقد ان بشار الاسد انتصر بصموده مدة 4 سنوات، فيما كان البعض يراهن على سقوطه خلال اشهر؟
- هل يمكن اعتبار رئيس جمهورية او نظام دولة منتصرا، بعد 4 سنوات من حرب سقط فيها آلاف الضحايا، وتعرض البلد لدمار وخراب هائلين؟ حتى لو خسر الباقون، فهو ليس منتصرا. ماذا ربح؟ لم يربح احد والوضع مأسوي. اما ظاهرة "داعش" فيلزمها محاربة، وهذه ليست مسؤولية سوريا ولا لبنان ولا العراق بل مسؤولية دولية كبرى، ومسؤولية الدول الخمس التي تملك حق "الفيتو" في مجلس الامن، عليها انهاء هذا الموضوع نهائيا، وعدم السماح بحصول خلل في النظام الدولي. وهم واهمون بشأن قوة "داعش". على الدول العربية تشكيل جيش لمحاربة هذا التنظيم، على أن تدعمه دول العالم الكبرى، او ارسال قوى على الارض للمحاربة. الادعاء بعدم محاربة "داعش" لعدم تقوية النظام السوري غير واقعي وهو تهرب من الحقيقة. "داعش" ليس خطرا على سوريا فقط بل على الانسانية جمعاء، فهو يأتي بمقاتلين من كل الدول، يخطف ويقتل اشخاصا من كل الطوائف والجنسيات، ويقوم بعمليات في كل الدول، وكأننا في خضم الحرب العالمية الثالثة. وسبق ان قلت للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في تشرين الثاني الفائت، وقبل حصول مجزرة "شارلي ايبدو"، يجب ان تحاربوا "داعش" وتثبتوا وجود مجلس الامن، الذي عليه أن يتولى محاربته وتشكيل جيش دولي لمحاربته، فهناك اوروبيون واميركيون يحاربون معه ويقتلون. يبدو ان هناك بحثا في هذا الموضوع اليوم.
¶ ماذا عن "لقاء الجمهورية"؟
- لم نعتمد تسمية نهائية بعد. سيتألف من شخصيات معتدلة سياسية واقتصادية وفكرية واعلامية، موافقة على الطرح الذي اعرضه، والذي يقوم اساسا على تحصين اتفاق الطائف اولا بأمور لا يتضمنها، تساعد على استمراره اكثر وعلى تمتين العقد الاجتماعي، مثل "اعلان بعبدا"، وعلى ايجاد مخارج للاشكالات الدستورية، وهيكلة المؤسسات وغير ذلك... وثانيا باستكمال تطبيق الدستور بدءا بوضع قانون انتخاب يقوم على النسبية ويؤمن المناصفة بين الطوائف وليس بين الطائفيين، وبتطبيق اللامركزية الادارية الموسعة، والانماء المتوازن ووضع الخطط الشاملة. وفي 13 نيسان المقبل سيعقد اول اجتماع لبلورة وثيقة هذا اللقاء الذي سيؤسس للجمهورية الثالثة حيث سيكون الطائف محصنا ومنفذا.