حديث د. انطوان حداد الى قناة العربية بتاريخ 4 أيار 2018
الجمعة 4 أيار 2018
إن قانون الانتخابات بالطريقة التي صمم بها وبالأهداف المسبقة التي وضع من اجلها ينزع قسم كبير من النقاش السياسي عن هذه الانتخابات ويجردها بالتالي من محتواها الديموقراطي كوسيلة للمفاضلة بين الخيارات والبرامج والافكار ويحصها بالتالي في نطاق تقاسم السلطة فحسب.
نتائج هذه الانتخابات معروفة سلفا بنسبة 90 % تقريبا، وبالتالي فان التنافس يتم الآن ليس بين اللوائح المتخاصمة بل ما بين الحلفاء داخل اللوائح نفسها، والسبب في ذلك هو التشويهات التي أدخلت على قانون الانتخاب والتي جعلت العديد من الدوائر كأنها معازل او كانتونات طائفية واصبح التصويت يتم على اسس طائفية تجعل وسائل التجييش والتعبئة تخاطب القضايا التي تعنى بالهوية وليس المشاكل الحقيقية الكبرى التي يعاني منها اللبنانيون.
بالعودة الى القانون نفسه قد صمم كي يؤدي هذا الغرض، فكذلك إدارة الانتخابات تخدم هذا الغرض ولا تؤمن الحياد الكافي وتكافؤ الفرص بين المرشحين والدليل الى ذلك عدد الوزراء المرشحين وعدد المسؤولين الذين يستغلون مواقعهم الرسمية لتمييز حظوظهم وحظوظ حلفائهم، كذلك العجز الذي تعاني منه هيئة الاشراف على الانتخابات بسبب الصلاحيات والامكانيات القليلة التي أعطيت لها.
اذن نتائج الانتخابات شبه معروفة بنسبة 80 او 90 % من المقاعد، والمقاعد التي لا نعرف نتائجها بعد لن تغير شيئا في التركيبة السياسية للمجلس المقبل. كل شيء صمم لتكريس وحماية التسوية التي تم التوصل اليها منذ سنة ونصف تقريبا حول انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. فكل شيء صمم كي تأتي الانتخابات لتعطي شرعية انتخابية لهذه التسوية التي ابرمت ما بين فريق حزب الله ومن يقف خلفه اقليمياً وتيار المستقبل.
فيما يخص انخفاض نسبة المغتربين المسجلين للاقتراع في هذه الانتخابات، فهناك سببان: اولا عدم كفاية التعبئة الاعلامية والسياسية لاقناع المغتربين بالتسجل، ثانيا وجود شك كبير بحظوظ اجراء الانتخابات في موعدها حتى لحظة اقفال موعد التسجيل وذلك استنادا الى انعدام ثقة اللبنانيين عموما ان المجلس الحالي المنقضية مهلته منذ عام 2013 لن يمدد لنفسه مرة اخرى. كما ان الذين تسجلوا للاقتراع في المغتربات اصيبوا بخيبة امل من حيث جدية التنافس وجدية الخيارات المتاحة امامهم فآثر العديد منهم عدم الاشتراك رغم تواضع العدد الإجمالي من المسجلين الذي لم يتجاوز 90 الفا من اصل ما يزيد عن مليون لبناني مقيم في الخارج.
حول ما يريده الناخب اللبناني فان هذا الناخب لم تتوافر امامه خيارات تغيير جذرية في ظل قواعد اللعبة الجديدة، اي القانون والممارسة والاجواء السياسية العامة وطريقة التعبئة المعتمدة من قبل الاحزاب التي تتسم بدرجه عالية من الطائفية والمذهبية والتركيز على الهوية والحقوق ما بين الطوائف وكل ما يتعلق بالماضي بصلة ولا يمت بصلة لا الى المستقبل ولا الى الحاجات الحقيقية للبنان واللبنانيين، فإن هذه الطريقة التي قسم بها الرأي العام تعيد الناخب الى الوراء أي البحث اكثر الى حماية الهوية والانتماء الطائفي اكثر مما هي تقدم له الحلول للمستقبل.
هناك توق كبير لدى اللبنانيين الى التغيير وقد عبروا عن ذلك بشدة في عدة مناسبات اثناء الازمات التي اندلعت في السنوات الاخيرة، كازمة النفايات وأزمة الضرائب وأزمة سلسلة الرتب والرواتب وخصوصا الخلاص من الفساد ومكافحة كل اشكال استغلال النفوذ والسلطة، انما للأسف ان هذا القانون وادارته لم توفر للبنانيين الخيارات الملائمة. انما يجب الإقرار ايضاً ان الاطراف والجهات التي طرحت نفسها كقوى بديلة عن السلطة الحالية لم تتمكن من تقديم خيارات وأطر تنظيمية جدية ومقنعة.
إذن هناك مسؤولية مزدوجة على السلطة وعلى القوى البديلة، كذلك هناك السكوت الدولي على تشوهات القانون وتجاوزات السلطة. ففي السابق عندما كان يحصل هذا العدد الكبير من الشوائب كان يتم الاحتجاج دولياً على لا ديموقراطية الانتخابات انما الآن هناك صمت تام. فكل ما يريده المجتمع الدولي او المجتمع الإقليمي الان هو ان تتم الانتخابات من دون خضات او احتجاجات وأن يبقى لبنان تحت عنوان "الاستقرار". إنما برأيي هذا الاستقرار غير مديد وهو استقرار هش، فإضفاء شرعية إضافية انتخابية على المعادلة الحالية لن يحل مشاكل لبنان. هناك مشاكل كثيره بحاجة الى حلول جذرية كالمشكلة الاقتصادية او المشكلة الاستراتيجية خصوصا ما يتعلق بتورط لبنان عبر بعض مكوناته في حروب ونزاعات المنطقة، الامر الذي لن تجد له هذه الانتخابات حلا.