(ماري كلير فغالي - نهار الشباب)
عندما حاول "نهار الشباب" البحث عن معاني "ولاية الفقيه"، التي دخلت القاموس اللبناني من باب الجدل والاتهام السياسي، اصطدم بعراقيل عدة، ليس اقلها رفض "حزب الله" الحديث في الموضوع، وان من باب التفسير فحسب. ولسنا هنا في صدد الدفاع او الاتهام، لا عن الحزب، ولا عن مفهوم ولاية الفقيه. ولكن المعلومة هي قبل أي شيء حق، ولذلك نستعرض مفهوم الحكومة الاسلامية هذه، والتي كان اللبناني "الشهيد الأول محمد بن مكي الجزيني العاملي" من أول مطوريها.
يقال ان "محمد بن مكي الجزيني العاملي" من مواليد جبل عامل في لبنان عام 876 هـ أو 1471 م، هو صاحب أول تطوير حقيقي في الفقه الشيعي في ما يتعلق بنظرية ولاية الفقيه، اذ انه اول من توسع في شرح علاقة رجال الدين بالمجتمع. وجاء في كتابه "اللمعة الدمشقية" ان الفقيه هو نائب الإمام طارحاً هذا المصطلح للمرة الاولى. اما مضمون فكره، فيقوم على تحسين شروط الانتظار حتى يعود "المهدي المنتظر".

ولكن ما هي ولاية الفقيه؟

انها نظام حكم في الاسلام، لدى الشيعة تحديداً وحصراً، وتقضي بأن يتولى فقيه او مجلس فقهاء الوصاية (فيكون بمثابة ولي أمر) على الذين يحتاجون اليها او يطلبونها، وذلك بالنيابة عن الإمام المهدي الغائب. والامام المهدي هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، المولود في سامراء في العراق، الامام الثاني عشر وآخر أئمة أهل البيت الذين عينهم النبي محمد.
ولد الإمام المهدي في 15 من شعبان عام 255 هجري (834 م)، وله غيبتان: الأولى تسمى "الغيبة الصغرى" ومدتها 69 سنة، بين عامي 260 هجري (839 م.) و329 هجري (908 م.) وكان عمره آنذاك خمس سنوات. وقد تأمن اتصال المسلمين الشيعة به عن طريق سفرائه (او نوابه) البالغ عددهم أربعة. أما الغيبة الثانية فاسمها "الغيبة الكبرى" وبدأت عام 329 هجري بعد وفاة آخر سفير، وما زالت مستمرة الى اليوم. وكان عمر الامام المهديّ آنذاك 74 سنة.
ويشرح استاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية الدكتور طلال عتريسي ان الامام المهدي بالنسبة الى الشيعة سيظهر في اللحظة المناسبة ليحكم بالعدل، وهو ليس بعيداً عما يحصل في العالم.
وهنا ينقسم الشيعة الى قسمين، فبعضهم يقول بالامتناع عن إقامة الدولة (ولاية الفقيه، او الحكومة الاسلامية) إلا بعد ظهور الامام المهديّ، على اساس ان قضايا الجهاد وإقامة الحدود والدين، هي من اختصاصه لما تشترطه الأحكام من عدالة وعصمة في القيادة. اما البعض الآخر، فيعتبرون ان الفقيه يمكن ان ينوب عن الامام المهدي الى حين ظهوره، في ادارة الحياة العامة. وهذا يتطلب بطبيعة الحال اقامة ولاية شاملة. وقد برزت هذه النظرية بعد الثورة الايرانية التي اطاحت الشاه واستبدلت حكمه بجمهورية اسلامية، عمل الامام روح الله الموسوي الخميني لتحويلها ولاية فقيه، هي الوحيدة والاولى في العالم.

هل تتناقض ولاية الفقيه مع مفهوم الدولة؟

يجيب عتريسي ان الحاكم في ولاية الفقيه، بخلاف قائد في الدولة المدنية، يجب ان يكون فقيهاً عالماً مجتهداً، عارفاً بأحكام الدين وتنطبق عليه مواصفات العدالة والنزاهة والاجتهاد والتقوى والتصدي، هو العارف بأحكام عصره. وقد كرست التجربة الايرانية التي أرساها الخميني صلاحيات الوالي الفقيه، حتى باتت هي ذاتها صلاحيات المهدي، اذ اعطاه الخميني حق حل الخلافات وفض النزاعات بين الناس والتصدي للأمور السياسية، حتى بات مسؤولاً عن حياة الناس وعن حمايتهم.
وتستمد ولاية الفقيه هنا شرعيتها من مبايعة الناس للوالي، الذي لا يكفي ان يطرح نفسه والياً. ويضيف عتريسي ان الإمام الخميني استمد مشروعيته من تصديه لمشكلات ايران بينما آثر غيره من رجال الدين على سبيل المثال الصمت (وهنا فضيلة التصدي للأمر الراهن).
وبحسب التجربة الايرانية، فإن ولاية الفقيه لا تتناقض مع الدولة، لأن الوالي ينتخبه مجلس خبراء (مؤلف من علماء ومجتهدين)، وهذا المجلس بدوره منتخب من الشعب. ويعمل الوالي بالتعاون مع مؤسسات كـ"مجلس صيانة الدستور" (الذي يؤدي وظيفة المجلس الدستوري في لبنان، يوم كانت له وظيفة) فيدرس شرعية القوانين الصادرة عن المجلس عملاً بالشريعة الاسلامية. وهناك ايضاً مجلس "تشخيص مصلحة النظام" (رئيسه في ايران علي أكبر هاشمي رفسنجاني)، الذي يبت الخلافات بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور. وفي حال تعذر الوصول الى حل بين المجلسين، تعود الكلمة الفصل للوالي.
يذكر ان الوالي هو من يعين قائد الجيش وقائد الحرس الثوري ورئيس السلطة القضائية في ايران.
ويشدد عتريسي على ان ولاية الفقيه لا تنطبق الا على دولة اسلامية يرضى بها شعبها، مشيراً الى ان قوانين الاحوال الشخصية في ايران لغير الشيعة من سنة ومسيحيين وزردشتيين ويهود تراعي خصوصيات كل طائفة او مجموعة. واذ لفت الى ان الكلام عن فرض ولاية فقيه في لبنان لا يعدو كونه كلاماً سياسياً، قال ان اقامة هذه الولاية تفترض وجود اكثرية شيعية تقبل بها، وتتطلب اقتناع العلماء بها. وحال عدم توافر هذين الشرطين دون قيام ولاية فقيه في العراق وباكستان، حيث بقيت الحكومة الاسلامية حبراً على ورق بعدما كان ابو الاعلى المودودي دعا الى فرضها. اما في ايران، فلم يكن قيام ولاية الفقيه ممكناً لولا الثورة الايرانية، التي حولت نظام الحكم جمهورية اسلامية.
يذكر ان ولاية الفقيه لا تراعي حدوداً جغرافية، بحيث ان الوالي يكون والياً على المؤمنين به اينما وجدوا، تماماً كما يتبع المؤمنون الكاثوليك سلطة بابا روما. فالولي واحد، والمجتهدون كثر، والاجتهاد لا يلزم الا من يقلده.
الخميني

هو روح الله الموسوي الخميني (22 ايلول 1902 – 3 حزيران 1989)، مرجع ديني إيراني شيعي، وقائد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 التي أطاحت الشاه محمد رضا بهلوي. كان يعتبر زعيماً روحياً للعديد من المسلمين الشيعة، وحكم إيران حتى وفاته عام 1989.
يذكر انه بعد 3 أشهر من انتصار الثورة الايرانية جرى "استفتاء شعبي" على نوعية النظام الحكومي في إيران، فصوّت الشعب الايراني لـ "الجمهورية الاسلامية" بنسبة 98.5 في المئة استناداً الى الأرقام الرسمية.
الإمام المهدي عند السنة

لم يرد في أيِّ نص من النصوص حسب معتقد أهل السنة أن المسلمين متعبدون بانتظاره، ولا تتوقف على خروجه أي من الشرائع الشرعية. فلا الجهاد ولا تطبيق الحدود ولا الأحكام مرهونة بوجوده، بل ان السنة يعيشون حياتهم ويمارسون عباداتهم وأعمالهم.
صفات الفقيه

هو جامع الشرائط الذي ينوب عن الامام المنتظر في قيادة الأمة وإقامة حكم الله على الارض.