عن حركة التجدد - الوثائق الأساسية
الورقة التأسيسية لحركة التجدد الديموقراطي
بعد سنوات عشر على انتهاء الحرب اللبنانية، لا تزال ورشة اعادة بناء الوطن والدولة والمجتمع والاقتصاد متعثرة، ولا تزال تتعزز يوما بعد يوم مقولة: ان الحرب انتهت لكن السلم الاهلي الحقيقي لم يكتمل بعد. ومن دواعي القلق ان تكون مسببات التعثر في التعافي اللبناني التام لا تنحصر في جسامة المهام الملقاة على عاتق اللبنانيين، انما تتعداها الى شعور الناس بأن قسما كبيرا من المسؤولين عن حاضرهم ومستقبلهم لا يعون مدى اهمية المسؤولية التاريخية الملقاة عليهم. من هنا اقتناع اللبنانيين ان بلدهم الذي ارهقته خمس عشرة سنة من الحروب والفتن المدمرة، قد اضيفت الى جراحه اثقال سنين عشر من فترة بعد الحرب، وهي فترة وان انطوت على ايجابيات، تبقى حصيلتها سلبية في الوعي اللبناني العام، وكأنها لم توظف في سياق يسعى حقا الى التأمل والاعتبار من الحقبات الماضية من عمر الوطن للتأسيس لانطلاقة واعية ثابتة وواثقة نحو مستقبل واعد طال انتظاره. ان عناوين الازمة العميقة التي يتخبط فيها لبنان الوطن والمجتمع والدولة باتت معروفة. كذلك باتت معروفة تجليات هذه الازمة، ومنها: ان ما عاناه لبنان منذ ربع قرن لم يكن زلزالا طبيعيا دمر الاطر السياسية – الاجتماعية- الاقتصادية للبلاد. بل ان للحروب التي توالت على هذه الارض اسبابا عميقة ومتشعبة. ونحن ندرك ان اي مشروع عمل سياسي منظم في لبنان اليوم، كالذي تطرحه "حركة التجدد الديموقراطي" سيكون امامه بالضرورة معالجة تراكم المشاكل والاشكاليات المتوارثة منذ زمن بعيد، والتي لها علاقة بحقبات ثلاث من تاريخنا الحديث: كما يواجه اي مشروع سياسي في لبنان اليوم ضرورة فهم واستيعاب التحولات الهائلة التي طرأت على العالم وعلى طبيعة العلاقات الدولية ، كذلك التغيرات البنيوية التي حدثت في مجتمعنا وفي عالمنا العربي والمنطقة المحيطة به. لذلك، من الضروري، ونحن ننطلق، ان نؤكد اننا سنعمل على بلورة الثوابت التي يقوم عليها الاجتماع اللبناني من اجل تحديثها وتمتينها، عبر التركيز على اولوية الانتماء الى لبنان واهمية العيش المشترك الاسلامي – المسيحي والتعددية الملازمة له، وعبر تعميق الوحدة اللبنانية وتوسيعها، وعبر اقامة اقتصاد الحداثة والعدالة وتوسيع نطاق الطبقة الوسطى الحاضنة للسلم الاهلي والديموقراطية. كما نؤكد اننا سنسعى الى المساهمة في تطوير عروبة ديموقراطية ومنفتحة ورائدة واغنائها، والى ادخال لبنان في العالم الجديد الذي يرتسم امام اعيننا، من خلال تطوير وتكييف مفهوم الحداثة فيه، ومن اجل تمكين بنى الوطن والمجتمع على مواجهة التحديات الجديدة. كما تؤكد "حركة التجدد الديموقراطي" ان مساهمتها لن تقتصر على العمل السياسي المباشر فحسب، وهو التعبير البديهي لأي حركة سياسية، بل ستتعداه الى الاندراج في اطر وآليات النشاط الثقافي والمعرفي المنتجة للرؤى والافكار الجديدة الداعمة لهذا التوجه والمساعدة على تمتينه من ناحية اولى، والى اطر وآليات المجتمع المدني المحتضن لهذه القيم والافكار والعامل على تعبئة طاقات الناس وانخراطها في تولي شؤونها وفي المشاركة في ادارة الشأن العام الوطني والمحلي من ناحية ثانية.
يرتكز معنى وجود لبنان على فكرة الحرية من جهة وعلى فكرة وحدة ابنائه من جهة اخرى. وما يغذي فكرة الحرية ويحتضنها تمسك لبنان بانفتاحه بيئة ومنهجا وأفقا لحركته الدائمة وايضا تعدديته التي تشكل مكونا اساسيا في الكيمياء اللبنانية المؤلفة من تنوعات دينية ومناطقية وثقافية وغيرها . اما فكرة الوحدة التي لا تخدم غايتها اذا كانت مصطنعة او مفروضة قسرا فقد عانت من اهتزازات عدة وضعت وما زالت مصير الوطن اللبناني على المحك.
بكلام آخر، تعي "حركة التجدد الديموقراطي" عمق الواقع الطائفي وتشعباته في مجالات الحياة كافة ولكنها في الوقت ذاته لا تستسلم لنتائجه السياسية والمجتمعية الراهنة. لذلك، تطمح "حركة التجدد الديموقراطي" ان تكون احد الاقطاب اللاطائفية الساعية الى اجراء تحديث لحياتنا السياسية والى تطويرها، من خلال تعميق الوحدة اللبنانية كونها بالنهاية عقدا بين افراد احرار. وحده بناء القطب اللاطائفي المتميز عن كل المشاريع الطائفية هو الضمانة الحقيقية والاداة الاساسية على درب تخطي الطائفية وعلى درب بناء مجتمع مواطني. من هنا ، وفي ظل النظام الطائفي الحالي ، وتحت سقف الدستور ، سوف تساهم "حركة التجدد الديموقراطي "، عبر مواقفها وممارساتها، في تقديم خيارات مواطنية بديلة، كما ستحدد موقفها من المشاريع الآيلة الى الغاء الطائفية، لا على ضوء الشعارات المعلنة وحدها، بل من خلال تقييم النتائج المحتملة لهذه المشاريع على الهدف المنشود، والذي هو دائما صون الوحدة الوطنية وتعميقها وصولا الى المواطنية الحقة. في الدولة والمؤسسات : المصالحة والاصلاح تضرب المعضلة السياسية اللبنانية جذورها في اتجاهين: الشق الميثاقي – الوفاقي من جهة، والشق الدستوري – المؤسساتي من جهة اخرى . ان تفعيل ميثاق العيش الواحد اللبناني، وتعزيز مكوّنات حياته، هما من صلب العمل السياسي اليومي في بلد كلبنان، وهما فعل دائم ومتواصل. وتبقى فكرة المصالحة التي على اساسها انتهت الحرب اللبنانية الركيزة الاساسية لهذا الإنجاز. ومعاني هذه المصالحة، التي لم تكتمل بعد، عديدة: مصالحة الناس مع انفسهم، مصالحة الوطن مع ذاكرة المواطنين، مصالحة الناس مع بعضهم البعض، مصالحة المجتمع مع الدولة، مصالحة القوى السياسية مع بعضها البعض، ومصالحة الجميع مع مفهوم السياسة إطارا وحيدا مرتجى لتغيير الواقع نحو الافضل وحل النزاعات وتنظيم الاختلافات وتفعيل التنافس. من هنا تدعو "حركة التجدد الديموقراطي" الجميع الى الانكباب على انجاز هذه المصالحة، عبر اتخاذ الخطوات التي طال انتظارها كي نطوي نهائيا صفحة الحرب ونصفّي رواسب الماضي البغيض. اما الوجه الآخر لمهمة تمتين الاجتماع اللبناني، فهو المتعلق بفكرة الاصلاح وما شاب هذا المفهوم من اعوجاجات في السنوات الاخيرة. وفي هذا السياق ، تضع "حركة التجدد الديموقراطي" نفسها، منذ لحظة تأسيسها، في اطار الذين يعتبرون ان "وثيقة الوفاق الوطني" قد قدمت منطلقا صالحا لبناء الدولة الجامعة في لبنان ما بعد الحرب، وذلك بالرغم من التطبيق المشوه الذي أخضعت له. من هنا، على القوى السياسية كافة، والقوى الحيّة في المجتمع اللبناني خاصة، فهم فلسفة هذه الوثيقة، لتطبيق روحيتها ونصوصها، مقدمة لتطوير آلياتها كي تتلاءم مع مقتضيات الحياة السياسية السليمة التي نريد بعثها من جديد. وتعتبر الحركة ان احد الاركان الاساسية لبدء التصويب في هذا المضمار هو التركيز على آليات انتاج المؤسسات والنخب السياسية واتاحة اكبر فرص للمشاركة في الشأن العام امام النساء والشباب، من اجل انهاء عقد كامل من تشويه التمثيل السياسي في لبنان، والشروع في بلورة قانون انتخابي عادل يؤمّن المشاركة الفاعلة والتمثيل المعبّر وغير المشوّه لشرائح الشعب اللبناني كافة.
من اجل عقد اقتصادي– اجتماعي جديد
ان تبني خيار اقتصاد السوق والانفتاح على الخارج اتاحا للبنان فرصا كبيرة للنمو والتوسع وامّنا له ادوارا ووظائف اقتصادية اساسية في الداخل اللبناني وفي المنطقة العربية. لكن التطرف في هذا الخيار وضعف الدور التنظيمي للدولة ادّيا الى تعميق الفوارق والتجاذبات الاجتماعية والمناطقية والقطاعية. وساهمت هذه الاختلالات في التمهيد لنشوب الحرب المدمرة وتضافرت معها في قيام ازمة نقدية حادة امتدت من بداية الثمانينات حتى بداية التسعينات وعبّرت عن محدودية الصيغة الاقتصادية وعدم قدرتها على التجدد والديمومة، لا سيما في ضوء التغيرات العميقة، ان في قواعد الاقتصاد العالمي او في بنية الاقتصاد الاقليمي. اذا، كان على لبنان في نهاية الحرب ان يواجه تحديين اثنين، هما اعادة الاعمار واعادة التكيّف. عوض التصدي لهذا التحدي المزدوج واخذ العبر منه، استسلمت حكومات ما بعد الحرب لسهولة التكرار وانخرطت في مشروع اعادة بناء النموذج نفسه وحصرت دورها بمهمتين فقط: تثبيت النقد بواسطة الفوائد المرتفعة، وتأهيل البنى التحتية. وقد تم ذلك من دون تخطيط كاف ومن دون اولويات واضحة، وفي غياب اي نمو حقيقي وبكلفة باهظة رفعت الدين العام وبالتالي خدمته الى مستويات مرهقة للخزينة كما للاقتصاد كما للمجتمع. وتزايدت تلك الكلفة اضعافا مضاعفة بفعل الصيغة السياسية المتخلفة التي قامت بعد الحرب والتي ضخّمت حجم الادارة والقطاع العام على حساب فكرة الدولة وزرعتها بالأزلام والمحاسيب وقسّمتها الى اقطاعات مذهبية – سياسية مبليّة بالفساد ولا تقوم سوى بقسط بسيط من الدور التنظيمي والاجتماعي والخدماتي المطلوب منها. وقف الانزلاق الراهن: كسر دوامة الدين والعجز ان الخروج من دوامة الازمة المالية الراهنة وكسر الحلقة المفرغة المتأرجحة بين تفاقم العجز وتفاقم الدين شرط ضروري لاستعادة العافية وكسر القيود المكبّلة للاقتصاد الوطني. وهذا يتطلب رزمة متكاملة من السياسات المتمحورة اساسا حول عناوين ثلاثة: تحت عنوان الانتقال من دولة المحسوبية الى دولة المواطنين ، ترى حركة التجدد الديموقراطي ان اعادة الدولة الى حجم طبيعي لا بد ان يترافق مع تحديثها واعادة هيكلتها وزيادة فاعلية الادارات والمؤسسات التي ستبقى في عهدتها. والخصخصة يجب ان تتلازم مع خلق آليات لاستيعاب الفائض من القطاع العام في القطاع الخاص عبر التدريب واعادة التاهيل المهني، ومع الحرص على الشفافية والمنافسة الشريفة بين الشركات، وتوسيع قاعدة تملك اسهم الشركات التي تم تخصيصها امام اكبر شريحة ممكنة من المواطنين، ووصول الخدمات الى المواطنين باسعار عادلة. غير ان فاعلية هذه الاجراءات تبقى رهنا بتزامنها مع بعضها البعض، ومع رزمة اخرى من شبكات الامان الاجتماعي، ومع بيئة سياسية وقضائية سليمة تطلق الاشارات الايجابية اللازمة لتشجيع الاستثمار وتؤمن التوافق الوطني والانصاف الضروريين لاستيعاب وتوزيع الاعباء الاجتماعية المرافقة لمثل هذا التحول. اقتصاد الحداثة والعدالة تعتقد حركة التجدد الديموقراطي ان اقامة اقتصاد الحداثة والعدالة، الفاعل والمعافى، يتطلب الاخذ بالتوجهات العامة الاتية: اولا- المواجهة الايجابية مع العولمة، اي الاستعداد للاندماج في الاقتصاد العالمي مع الحرص على امتصاص الصدمات وتخفيف الكلفة الاجتماعية الناتجة عن ذلك ، والتحصن في وجه ذلك بالتكامل الاقتصادي الاقليمي العربي. ثانيا- محورة الاقتصاد حول الرأسمال البشري المنبثق من التعليم النوعي والهادف، وحول التنوع والتوازن بين القطاعات، مع التركيز على اقتطاع حصة لائقة من سوق المعلومات – الاتصالات في مداه العربي المتوسع، والجهد لتجديد الدور المالي والخدماتي الاقليمي للبنان واعادة صياغته في ضؤ المتغيرات الجديدة وعبر صناعة وزراعة وسياحة نوعية وتنافسية تعتمد بشكل متزايد على المكون المعرفي والتكنولوجي وعلى اساليب التنظيم والتسيير الحديثة، والاستفادة القصوى من طاقات الانتشار اللبناني في العالم لا سيما في ما يتعلق بمكونات الاقتصاد الجديد. ثالثا- تجديد الرأسمال الاجتماعي للبنان من خلال سياسة تربوية تتضمن تطويرا للنظام التعليمي بكل فروعه ومراحله وقطاعاته، لا سيما المدرسة الرسمية والجامعة اللبنانية اللتين تضطلعان، فضلا عن دورهما التعليمي، بدور وطني ومواطني اساسي، ومن خلال سياسة صحية حديثة تتجاوز الواقع الحالي المرتفع الكلفة والقليل الفاعلية والعدالة نحو توفير تغطية صحية سليمة لكل اللبنانيين. رابعا- ايلاء البيئة والتوازن البيئي اهتماما محوريا في كل جوانب السياسات العامة كما في الوعي المواطني، من اجل اصلاح ما تعرض له لبنان من تدمير لبيئته الطبيعية وما تعرض له اللبنانيون من تشويه لإطار حياتهم، وذلك من خلال خطة وطنية شاملة لإدارة الموارد الطبيعية واستخدام الاراضي والتخطيط العمراني والحد من النزوح نحو المدينة. خامسا – تغليب مبدأ اقتصاد السوق الاجتماعي، اي اقامة ليبرالية حديثة مع ضوابط فاعلة وانظمة تحويل واعادة توزيع اجتماعية ومناطقية، حيث تضطلع الدولة بدور تنظيمي – تشريعي – رقابي واجتماعي قوي ومحفّز لانتاجية القطاع الخاص من دون تملك لمرافق الانتاج الا استثنائيا ولاسباب استراتيجية وحيوية، وحيث تقوم البلديات والسلطات المحلية الاخرى بدور واسع مماثل لا سيما في مجالي الخدمات العامة وتخطيط استخدام الاراضي والحفاظ على التوازن البيئي. سادسا – تجسيد مبدأ اقتصاد السوق الاجتماعي عبر اتاحة دور متزايد في الاقتصاد الوطني للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وحصة اكبر للنساء والشباب في سوق العمل، وفتح المناطق كلها امام الاستثمار والعمل والاقامة من خلال خطة شاملة لتنميتها، وتفعيل الجمعيات القطاعية والنقابات وتحديث هياكلها وادوارها التفاوضية. وتوسيع نطاق الطبقة الوسطى كي تشكل الغالبية في المجتمع وتضطلع بدورها كصمام امان اجتماعي، وتعزيز انظمة الحماية الاجتماعية ، وتوفير الرعاية الاساسية للفئات الضعيفة والمهمّشة مع السعي الدؤوب لدمجها اقتصاديا واجتماعيا." من اجل عقد جديد مع بيئتنا العربية والعالم
يسود مقاربة جوهر العلاقات بين سورية ولبنان نوع من الالتباس التاريخي يتحكم بطرفيّ المعادلة وينسحب عليها سلبا وايجابا. ويستند طرفا هذه المعادلة، كل من جانبه على خلفية فكرية مختلفة، تقول الاولى بفرادة لبنان وبانتمائه المعزول عن اي محيط آخر، فيما تجنح الثانية الى التنكر لتاريخية الكيان اللبناني ووجوده المستقل. وقد اثر هذا الالتباس التاريخي على مجمل الابعاد التي تشكل اوجه العلاقة اللبنانية – السورية، من سياسية واقتصادية ومجتمعية وثقافية. من هنا، فإن المهمة الاولى على درب تصحيح العلاقات بين سورية ولبنان، وتنقيتها من اجل اثرائها وتعزيزها، تنطلق من ضرورة ازالة هذا الالتباس، عبر التمسك بلبنانية لبنان وعروبته في آن معا، كما التأكيد على الحقائق الجغرافية – التاريخية - المجتمعية التي تضع لبنان في اطار مشترك مع جارته وشقيقته سورية، كي يتجسد المضمون الصحيح والايجابي لمبدأ العلاقات المميزة.
بعد استيعاب رواسب الماضي والتباساته، وبعد معالجة امور الحاضر والملفات التي تشوبه، فإن حركة التجدد الديموقراطي مقتنعة كل الاقتناع ان المستقبل اللبناني – السوري لا يمكنه الا ان يكون مستقبلا مشتركا، متفاعلا لمصلحة البلدين والدولتين والشعبين والمجتمعين. ولهذه الشراكة المستقبلية شروط لابد من توفيرها، اذ هي تمر حتما عبر المصارحة بين دولتين سيدتين، مستقلتين، حرّتي القرار. وعلى رأس قائمة هذه التحديات المشتركة، السعي الجاد الى الانخراط في عالم سريع التحول والتطور، وابتكار ادوار متجددة في المنطقة لمواجهة تحديات المنافسة فيها، سلما او حربا، وذلك من ضمن خصوصية كل من البلدين وتطوره التاريخي. واذا اجريت هذه الاصلاحات الضرورية، تطغى عناصر التكامل على عناصر التنافس وتصبح العلاقات المميزة بين الدولتين والمجتمعين قوة مضاعفة وتصبح خصوصيات كل طرف مزايا للطرف الآخر. في الصراع العربي-الاسرائيلي وموقع لبنان منه احدث نشوء دولة اسرائيل بصيغتها العنصرية الاحادية المناقضة في الجوهر لتركيبة لبنان التعددية، والتهجير الجماعي للشعب الفلسطيني من ارضه زلزالا استراتيجيا في العالم العربي ما زالت تتفاعل تردداته حتى اليوم، زلزال لن يستكين نسبيا قبل استعادة الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية المغتصبة، وفي رأسها حق اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وحق العودة وحل مشكلة اللاجئين من ناحية اولى، وانسحاب اسرائيل من الاراضي العربية المحتلة وتخليها عن طبيعتها التوسعية من ناحية ثانية.
فقد كان قدر لبنان ان يتلقى تهجير عدد كبير من ابناء الشعب الفلسطيني وايوائهم فوق ارضه. كذلك كان عليه ايضا ان يتلقى عواقب هذا الصراع، وان يكون، بفعل العداونية التوسعية الاسرائيلية وبفعل اهمال الدولة المزمن لجنوب لبنان، مسرحا لاعتداءات اسرائيلية متعاقبة وصلت الى اجتياح واحتلال وتدمير جزء كبير من الاراضي اللبنانية عامي 1978و 1982، وان يتحول الى ساحة شبه وحيدة للصراع العربي-الاسرائيلي ، ساحة لم تخل احيانا كثيرة من تصفية الحسابات والنزاعات العربية-العربية.
في العروبة ودور لبنان في بلورة حداثة جديدة ان "حركة التجدد الديموقراطي" مقتنعة تماما بانتماء لبنان الى العالم العربي، بما هو عمق تاريخي وجغرافي وثقافي وبشري واقتصادي، من ضمن احترام استقلال وسيادة وخصوصية كل دولة عربية. من هنا، تعمل الحركة كي يكون للبنان دور فاعل وحاضر في ارساء قواعد للتعامل الندّي والديموقراطي بين كل الدول العربية من اجل التوصل الى اعلى درجات التعاون والتضامن والتفاعل بين هذه الدول وبين المجتمعات المدنية فيها، وعلى مختلف الصعد، خاصة الاقتصادية والثقافية منها . على عتبة القرن الحادي والعشرين، ترى "حركة التجدد الديموقراطي" ان فكرة العروبة التي نهضت في المشرق العربي منذ زهاء قرن ونيف، والتي كان للبنانيين فيها اسهامات اساسية، والتي شهدت تراجعا ملحوظا نتيجة الاخطاء والاختزالات المرتكبة في فترات متعددة من تاريخنا المعاصر، تستحق لا شك نهضة ثانية وفرصة جديدة. من هنا، تطمح "حركة التجدد الديموقراطي"، الى جانب قوى التجديد والديموقراطية في عالمنا العربي، ان تساهم في بلورة نموذج جديد للعروبة يقوم على ركائز ثلاثة:
من دواعي التهيّب عند الاقدام على مشروع تجديد السياسة في لبنان ان يتلازم هكذا مشروع مع تحولات عالمية عملاقة، باتت تدكّ جوهر المجتمعات والدول في انحاء كثيرة من العالم. ان انتهاء حقبة من تاريخ العالم المعاصر وتلاشي المنظومات العقائدية يفرضان على "حركة التجدد الديموقراطي" المواكبة عن كثب والاعتماد على مقاربة مركبة لهذه التحولات قادرة على التمييز بين المخاطر الناجمة عن العالم الآحادي المتشكل وردات الفعل عليه من ناحية، والفرص التي توفرها الثورات العلمية والتكنولوجية المتسارعة من ناحية ثانية. ان للبنان، الغني بتراثه التعددي وبسعيه الدؤوب للتوفيق بين الوحدة والتنوع، والغني ايضا بانتشار ابنائه الفاعل والنوعي في كل ارجاء العالم، والقادر على استيعاب التطورات الوافدة، ان للبنان هذا دورا اساسيا يلعبه في عالمه المعاصر. وفي هذا السياق، تطرح "حركة التجدد الديموقراطي" نفسها قوة حداثة وتحديث في المجتمع اللبناني، كي تعمل مع سائر القوى الثقافية والمدنية على تفادي تهميش لبنان في هذا الواقع الجديد المتشكل، كما على تفادي تهميش الذين، في لبنان والعالم، لا يتقنون التعاطي مع هذا الواقع." ان الهدف البعيد ل"حركة التجدد الديموقراطي" هو المساهمة في ارساء ثقافة سياسية جديدة قائمة على تجذير الديموقراطية من خلال توسيع الوحدة اللبنانية وتجديدها، ومن خلال استرجاع كامل الارض والسيادة، ومن خلال ترسيخ اسس الحداثة والعدالة في مجتمعنا. وطموح " حركة التجدد الديموقراطي" وقدرها ان تكون صورة مصغرة عن المجتمع اللبناني بتنوعه وعن المواطن اللبناني بطاقاته. اما اليوم ، تريد "حركة التجدد الديموقراطي" بكل تواضع ولكن بتصميم كلّي، ان تعطي شباب لبنان اساسا واقعيا للبقاء فيه، وان تتيح لكل ابنائه المشاركة الفعلية في انتاج حاضرهم وتحديد مصيرهم. ان المشروع الذي تقدمه "حركة التجدد الديموقراطي" الى اللبنانيين مشروع طموح حقا لكنه واقعي. وهو واقعي لانه ضروري، ولانه لم يعد هناك بديل من العمل معا. |
|||||
|